للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ عَامُ الرَّمَادَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَأَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا جُوعٌ فَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى جَعَلَتِ الْوَحْشُ تأوى إلى الانس، فكان الناس بذلك وَعُمَرُ كَالْمَحْصُورِ عَنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ حَتَّى أَقْبَلَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ فقال: أنا رسول رسول الله إِلَيْكَ، يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقَدْ عَهِدْتُكَ كَيِّسًا، وَمَا زِلْتَ عَلَى ذَلِكَ [١] ، فَمَا شَأْنُكَ» ؟ قَالَ:

مَتَى رَأَيْتَ هَذَا؟ قَالَ: الْبَارِحَةَ. فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاسِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ:

أَيُّهَا النَّاسُ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ منى أمرا غيره خير منه؟ فقالوا: اللَّهمّ لَا، فَقَالَ: إِنَّ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ يزعم ذية وذية. قالوا: صَدَقَ بِلَالٌ فَاسْتَغِثْ باللَّه ثُمَّ بِالْمُسْلِمِينَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ- وَكَانَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ مَحْصُورًا- فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، بَلَغَ الْبَلَاءُ مُدَّتَهُ فَانْكَشَفَ. مَا أُذِنَ لِقَوْمٍ فِي الطَّلَبِ إِلَّا وَقَدْ رفع عنهم الأذى والبلاء. وكتب إلى أمراء الأمصار أن أغيثوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَ جَهْدُهُمْ. وَأَخْرَجَ النَّاسَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ فَخَرَجَ وَخَرَجَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَاشِيًا، فَخَطَبَ وَأَوْجَزَ وَصَلَّى ثُمَّ جَثَى لِرُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: اللَّهمّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اللَّهمّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَارْضَ عَنَّا. ثُمَّ انْصَرَفَ فَمَا بَلَغُوا الْمَنَازِلَ رَاجِعِينَ حَتَّى خَاضُوا الْغُدْرَانَ.

ثُمَّ رَوَى سَيْفٌ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ صَخْرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ سَأَلَهُ أَهْلُهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُمْ شَاةً فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِنَّ شَيْءٌ. فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فَذَبَحَ شَاةً فَإِذَا عِظَامُهَا حُمْرٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدَاهُ. فَلَمَّا أَمْسَى أُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ: «أَبْشِرْ بالحياة، ايت عمر فأقره مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ إِنَّ عَهْدِي بِكَ وَفِيَّ الْعَهْدِ شَدِيدَ الْعَقْدِ، فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا عُمَرُ» ، فَجَاءَ حَتَّى أَتَى بَابَ عُمَرَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ اسْتَأْذِنْ لِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَفَزِعَ ثُمَّ صعد عمر المنبر فقال للناس أنشدكم الله الّذي هَدَاكُمْ لِلْإِسْلَامِ هَلْ رَأَيْتُمْ مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ؟

فَقَالُوا: اللَّهمّ لَا، وَعَمَّ ذَاكَ؟ فَأَخْبَرَهُمْ بِقَوْلِ الْمُزَنِيِّ- وَهُوَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ- فَفَطِنُوا وَلَمْ يَفْطَنْ.

فَقَالُوا: إِنَّمَا اسْتَبْطَأَكَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَاسْتَسْقِ بِنَا. فَنَادَى فِي النَّاسِ فَخَطَبَ فَأَوْجَزَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَوْجَزَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ عَجَزَتْ عَنَّا أَنْصَارُنَا، وَعَجَزَ عَنَّا حَوْلُنَا وَقُوَّتُنَا، وَعَجَزَتْ عَنَّا أَنْفُسُنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بك، اللَّهمّ اسقنا وَأَحْيِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ وَأَبُو بكر الفارسي قالا: حدثنا أبو عمر بْنُ مَطَرٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مَالِكٍ قال: أصاب الناس قحط في زمن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


[١] في الطبري: فما زالت على رجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>