للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَالَمِينَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِهِ (وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَضِّلَ نَفْسَهُ عَلَى يونس والقول الآخر لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُفَضِّلَنِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى كَمَا قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَلَا عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَهَذَا مِنْ بَابِ الْهَضْمِ وَالتَّوَاضُعِ مِنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ أَنْبِيَاءِ الله والمرسلين

[ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم]

وَهُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ قَاهِثَ بْنِ عازر بن لاوى بن يعقوب بن سحق بن إبراهيم عليهم السلام قال تَعَالَى وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا. وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا ١٩: ٥١- ٥٣ وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَذَكَرَ قصته في مواضع متعددة مبسوطة مطولة وغير مطولة وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَوَاضِعِهِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَسَنُورِدُ سِيرَتَهُ هَاهُنَا مِنِ ابْتِدَائِهَا إِلَى آخِرِهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ وَمَا وَرَدَ فِي الْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّلَفُ وَغَيْرُهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ قال الله تعالى بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ ٢٨: ٠- ٦ يَذْكُرُ تَعَالَى مُلَخَّصَ الْقِصَّةِ ثُمَّ يَبْسُطُهَا بَعْدَ هذا فذكر أنه يَتْلُو عَلَى نَبِيِّهِ خَبَرَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي كَأَنَّ سَامِعَهُ مُشَاهِدٌ لِلْأَمْرِ مُعَايِنٌ لَهُ (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) ٢٨: ٤ أَيْ تَجَبَّرَ وَعَتَا وَطَغَى وَبَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَأَعْرَضَ عَنْ طَاعَةِ الرَّبِّ الْأَعْلَى وَجَعَلَ أهلها شيعا أَيْ قَسَّمَ رَعِيَّتَهُ إِلَى أَقْسَامٍ وَفِرَقٍ وَأَنْوَاعٍ يستضعف طائفة منهم وَهُمْ شَعْبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ سُلَالَةِ نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ خِيَارَ أهل الأرض وقد سلط عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَلِكَ الظَّالِمَ الْغَاشِمَ الْكَافِرَ الْفَاجِرَ يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وارداها وَأَدْنَاهَا وَمَعَ هَذَا (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ٢٨: ٤ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ الْقَبِيحِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَتَدَارَسُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ما يأثرونه عن إبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُ مَلِكِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ وذلك والله أعلم حين كان جَرَى عَلَى سَارَّةَ امْرَأَةِ الْخَلِيلِ مِنْ مَلِكِ مِصْرَ مِنْ إِرَادَتِهِ إِيَّاهَا عَلَى السُّوءِ وَعِصْمَةِ اللَّهِ لَهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الْبِشَارَةُ مَشْهُورَةً فِي بنى إسرائيل

<<  <  ج: ص:  >  >>