للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنُوءُ وَيَغْشَاهُ شَآبِيبُ مِنْ دَمٍ ... كَمَا لَاحَ مِنْ جَيْبِ الْقَمِيصِ الْكَفَائِفُ

وَقَدْ صَبَرَتْ حَوْلَ ابْنِ عَمِّ مُحَمَّدٍ ... لَدَى الْمَوْتِ أَرْبَابُ الْمَنَاقِبِ شَارِفُ

فَمَا بَرَحُوا حَتَّى رَأَى اللَّهُ صَبْرَهُمْ ... وحتى رقت فوق الأكف الْمَصَاحِفُ

وَزَادَ غَيْرُهُ فِيهَا

مُعَاوِيَ لَا تَنْهَضْ بِغَيْرِ وَثِيقَةٍ ... فَإِنَّكَ بَعْدَ الْيَوْمِ بِالذُّلِّ عَارِفُ

وقد أجابه أبو جهم الْأَسْدِيُّ بِقَصِيدَةٍ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْهِجَاءِ تَرَكْنَاهَا قَصْدًا.

وَهَذَا مَقْتَلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أبى طالب قتله أهل الشام

[وبان وظهر بذلك سِرُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا مُحِقٌّ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ بَاغٍ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ] [١] ، ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِخْنَفٍ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَعْيَنَ الْجُهَنِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ عَمَّارًا قَالَ يَوْمَئِذٍ: من يبتغى رضوان ربه وَلَا يَلْوِي إِلَى مَالٍ وَلَا وَلَدٍ، قَالَ: فَأَتَتْهُ عِصَابَةٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اقْصِدُوا بِنَا نَحْوَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ دَمَ عُثْمَانَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا وَاللَّهِ ما قصدهم الأخذ بدمه ولا الأخذ بثأره، ولكن القوم ذاقوا الدنيا واستحلوها واستمروا الآخرة فقلوها، وَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ إِذَا لَزِمَهُمْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَتَمَرَّغُونَ فِيهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَشَهَوَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سَابِقَةٌ فِي الْإِسْلَامِ يَسْتَحِقُّونَ بها [طاعة الناس لهم ولا الولاية عَلَيْهِمْ وَلَا تَمَكَّنَتْ مِنْ قُلُوبِهِمْ خَشْيَةُ اللَّهِ الَّتِي تَمْنَعُ مَنْ تَمَكَّنَتْ مِنْ قَلْبِهِ عَنْ نَيْلِ الشَّهَوَاتِ، وَتَعْقِلُهُ عَنْ إِرَادَةِ الدُّنْيَا وَطَلَبِ الْعُلُوِّ فِيهَا، وَتَحْمِلُهُ عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْمَيْلِ إِلَى أَهْلِهِ] [٢] فَخَدَعُوا أَتْبَاعَهُمْ بِقَوْلِهِمْ إِمَامُنَا قُتِلَ مَظْلُومًا، لِيَكُونُوا بِذَلِكَ جَبَابِرَةً مُلُوكًا، وَتِلْكَ مَكِيدَةٌ بلغوا بها ما ترون، ولولا ذلك مَا تَبِعَهُمْ مِنَ النَّاسِ رَجُلَانِ وَلَكَانُوا أَذَلَّ وَأَخَسَّ وَأَقَلَّ، وَلَكِنَّ قَوْلَ الْبَاطِلِ لَهُ حَلَاوَةٌ فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ، فَسِيرُوا إِلَى اللَّهِ سَيْرًا جميلا، واذكروا ذِكْرًا كَثِيرًا ثُمَّ تَقَدَّمَ فَلَقِيَهُ عَمْرُو بْنُ العاص وعبيد الله بن عمر فلامهما وأنبهما ووعظهما، وذكروه مِنْ كَلَامِهِ لَهُمَا مَا فِيهِ غِلْظَةٌ فاللَّه أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ:

رَأَيْتُ عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا كَبِيرًا آدَمَ طُوَالًا آخِذٌ الْحَرْبَةَ بِيَدِهِ وَيَدُهُ تَرْعَدُ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هَجَرَ لَعَرَفْتُ أَنَّ مُصْلِحِينَا عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ وَحَجَّاجٌ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ حَجَّاجٌ سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قُلْتُ لعمار بن ياسر أرأيت قتالكم مع على رأيا


[١- ٢] سقط من النسخة المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>