للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُتِلَ عَنْهَا خَلَفَ بَعْدَهُ عَلَيْهَا الزُّبَيْرُ بْنُ العوام، فقتل بِوَادِي السِّبَاعِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبَى طالب يخطبها فقالت: إِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ، فَأَبَتْ أَنْ تتزوجه ولو تزوجته لقتل عنها أيضا، فأنها لم تزل حَتَّى مَاتَتْ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ رَحِمَهَا اللَّهُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ

فِيهَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ الْلَّانَ وَالرُّومَ فَقَتَلُوا مِنْ أُمَرَائِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَغَنِمُوا وَسَلِمُوا، وَفِيهَا وَلَّى مُعَاوِيَةُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ نِيَابَةَ الْمَدِينَةِ، وَعَلَى مَكَّةَ خَالِدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَلَى الْكُوفَةِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَعَلَى قَضَائِهَا شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَعَلَى الْبَصْرَةِ عَبْدُ الله بن عامر، وعلى خراسان قيس ابن الْهَيْثَمِ مِنْ قِبَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَحَرَّكَتِ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ كَانُوا قد عفى عَنْهُمْ عَلِيٌّ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ، وَقَدْ عُوفِيَ جَرْحَاهُمْ وَثَابَتْ إِلَيْهِمْ قُوَاهُمْ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ مَقْتَلُ عَلِيٍّ تَرَحَّمُوا عَلَى قَاتِلِهِ ابْنِ مُلْجَمٍ وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَا يَقْطَعُ اللَّهُ يَدًا عَلَتْ قَذَالَ عَلِيٍّ بِالسَّيْفِ، وَجَعَلُوا يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ، ثُمَّ عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ عَلَى النَّاسِ وَتَوَافَقُوا عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِيمَا يَزْعُمُونَ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ- وَكَانَ قَدِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ فِي قَلْعَةٍ عُرِفَتْ بِهِ يُقَالُ لَهَا قَلْعَةُ زِيَادٍ- فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى أَنْ تُهْلِكَ نَفْسَكَ؟ أَقْدِمْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِمَا صَارَ إِلَيْكَ مِنْ أَمْوَالِ فَارِسَ وَمَا صَرَفْتَ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ عِنْدَكَ فَائْتِنِي بِهِ وَأَنْتَ آمِنٌ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تقيم عندنا فعلت وإلا ذهبت حيث ما شِئْتَ مِنَ الْأَرْضِ فَأَنْتَ آمِنٌ. فَعِنْدَ ذَلِكَ أَزْمَعَ زِيَادٌ السَّيْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَبَلَغَ الْمُغِيرَةَ قُدُومَهُ فَخَشِيَ أَنْ يَجْتَمِعَ بِمُعَاوِيَةَ قَبْلَهُ، فَسَارَ نَحْوَ دِمَشْقَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَبَقَهُ زِيَادٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِشَهْرٍ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْمُغِيرَةِ: مَا هَذَا وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْكَ وَأَنْتَ جِئْتَ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَنْتَظِرُ الزِّيَادَةَ وَأَنَا أَنْتَظِرُ النُّقْصَانَ، فَأَكْرَمَ مُعَاوِيَةُ زِيَادًا وَقَبَضَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَصَدَّقَهُ فِيمَا صَرَفَهُ وَمَا بَقِيَ عِنْدَهُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ

فِيهَا غَزَا بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ بِلَادَ الرُّومِ فَوَغَلَ فِيهَا حَتَّى بَلَغَ مَدِينَةَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَشَتَّى بِبِلَادِهِمْ فِيمَا زَعَمَهُ الْوَاقِدِيُّ، وأنكر غيره ذلك وقالوا: لم يكن بها مشتى لأحد قط فاللَّه أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا مَاتَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قُلْتُ: وَسَنَذْكُرُ تَرْجَمَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي آخِرِهَا، فَوَلَّى مُعَاوِيَةُ بَعْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى دِيَارِ مِصْرَ وَلَدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَعَمِلَ لَهُ عَلَيْهَا سَنَتَيْنِ.

وَقَدْ كَانَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ- وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْخَوَارِجِ وَجُنْدِ الْكُوفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ صَمَّمُوا- كَمَا قَدَّمْنَا- عَلَى الْخُرُوجِ عَلَى النَّاسِ فِي هَذَا الْحِينِ، فَاجْتَمَعُوا فِي قريب من ثلاثمائة عليهم المستورد بن علقمة، فجهز عليهم الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ جُنْدًا عَلَيْهِمْ مَعْقِلُ بْنُ قيس في ثلاثة آلاف، فصار إليهم وقدم بين يديه أبا الرواع فِي طَلِيعَةٍ هِيَ ثَلَاثُمِائَةٌ عَلَى عِدَّةِ الْخَوَارِجِ، فلقيهم أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>