بى إِلَيْهِ فَمَا أُحِبُّ أَنْ أُوقِعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً وَحَرْبًا، فَابْعَثْنِي إِلَيْهِ وَابْعَثْ مَعِي ابْنَكَ وَاكْتُبْ إِلَيْهِ بِأَلْطَفِ عِبَارَةٍ تَقْدِرُ عَلَيْهَا فَبَعَثَهُ وَبَعَثَ مَعَهُ ابْنَهُ أَيُّوبَ، وَقَالَ لِابْنِهِ: إِذَا دَخَلْتَ فِي الدِّهْلِيزِ فَادْخُلْ مَعَ يَزِيدَ فِي السِّلْسِلَةِ، وَادْخُلَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَى الْوَلِيدُ ابْنَ أَخِيهِ فِي السِّلْسِلَةِ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بَلَغْنَا مِنْ سُلَيْمَانَ. وَدَفَعَ أَيُّوبُ كِتَابَ أَبِيهِ إِلَى عَمِّهِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَفْسِي فِدَاؤُكَ لَا تَخْفِرْ ذِمَّةَ أَبِي وَأَنْتَ أَحَقُّ مَنْ مَنَعَهَا، وَلَا تَقْطَعْ مِنَّا رَجَاءَ مَنْ رَجَا السَّلَامَةَ فِي جِوَارِنَا لِمَكَانِنَا مِنْكَ، وَلَا تُذِلَّ مَنْ رَجَا الْعِزَّ فِي الِانْقِطَاعِ إِلَيْنَا لِعِزِّنَا بِكَ. ثُمَّ قَرَأَ الْوَلِيدُ كِتَابَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ يا أمير المؤمنين فو الله إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ لَوِ اسْتَجَارَ بِي عَدُوٌّ قَدْ نَابَذَكَ وَجَاهَدَكَ فَأَنْزَلْتُهُ وَأَجْرَتْهُ أَنَّكَ لَا تذل جواري ولا تخفره، بَلْ لَمْ أُجِرْ إِلَّا سَامِعًا مُطِيعًا، حَسَنَ الْبَلَاءِ وَالْأَثَرِ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ وَأَبُوهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَقَدْ بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكَ فَإِنْ كُنْتَ إنما تعد قطيعتي واخفار ذمتي وَالْإِبْلَاغَ فِي مَسَاءَتِي فَقَدْ قَدَرْتَ إِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ، وَأَنَا أُعِيذُكَ باللَّه مِنِ احْتِرَادِ قَطِيعَتِي وانتهاك حرمتي، وترك بري وإجابتي إلى ما سألتك، ووصلتي، فو الله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَدْرِي مَا بَقَائِي وَبَقَاؤُكَ، وَلَا مَتَى يُفَرِّقُ الْمَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَدَامَ اللَّهُ سُرُورَهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ أَجَلُ الْوَفَاةِ عَلَيْنَا إِلَّا وَهُوَ لِي وَاصِلٌ وَلِحَقِّي مُؤَدٍّ، وَعَنْ مَسَاءَتِي نازع فليفعل، وو الله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَصْبَحْتُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ بِأَسَرَّ مِنِّي برضاك وسرورك، وإن رضاك وسرورك أحب إلى من رضائي وسروري، ومما ألتمس به رضوان الله عز وجل لصلتى ما بيني وبينك، وَإِنْ كُنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمًا مِنَ الدهر تريد صلتي وَكَرَامَتِي وَإِعْظَامَ حَقِّي فَتَجَاوَزْ لِي عَنْ يَزِيدَ، وَكُلُّ مَا طَلَبْتَهُ بِهِ فَهُوَ عَلَيَّ.
فَلَمَّا قَرَأَ الْوَلِيدُ كِتَابَهُ قَالَ: لَقَدْ أَشْفَقْنَا عَلَى سُلَيْمَانَ، ثُمَّ دَعَا ابْنَ أَخِيهِ فَأَدْنَاهُ مِنْهُ، وَتَكَلَّمَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ بَلَاءَكُمْ عِنْدَنَا أَحْسَنُ الْبَلَاءِ، فمن ينس ذلك فلسنا ننساه، وَمَنْ يَكْفُرُهُ فَلَسْنَا بِكَافِرِيهِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ بَلَائِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي طَاعَتِكُمْ وَالطَّعْنِ فِي أَعْيُنِ أَعْدَائِكُمْ فِي الْمَوَاطِنِ الْعِظَامِ فِي الْمَشَارِقِ والمغارب، ما أن المنة فيه علينا عَظِيمَةٌ. فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَجَلَسَ فَأَمَّنَهُ وَكَفَّ عنه ورده إلى سليمان، فكان عنده حسن الهيئة، ويصف له ألوان الأطعمة الشهية، وَكَانَ حَظِيًّا عِنْدَهُ لَا يُهْدَى إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ إلا أرسل له بنصفها، وتقرب يزيد ابن الْمُهَلَّبِ إِلَى سُلَيْمَانَ بِأَنْوَاعِ الْهَدَايَا وَالتُّحَفِ وَالتَّقَادُمِ، وَكَتَبَ الْوَلِيدُ إِلَى الْحَجَّاجِ إِنِّي لَمْ أَصِلْ إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَعَ أَخِي سُلَيْمَانَ، فَاكْفُفْ عَنْهُمْ وَالْهَ عَنِ الْكِتَابِ إِلَيَّ فِيهِمْ. فَكَفَّ الْحَجَّاجُ عَنْ آلِ الْمُهَلَّبِ وَتَرَكَ مَا كَانَ يُطَالِبُهُمْ بِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، حَتَّى تَرَكَ لِأَبِي عُيَيْنَةَ بْنِ الْمُهَلَّبِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَزَلْ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ حَتَّى هَلَكَ الحجاج في سنة خمس وتسعين، ثُمَّ وَلِيَ يَزِيدُ بِلَادَ الْعِرَاقِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ كما أخبره الراهب.
وفيها توفى من الأعيان:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute