للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينما هو معها في ذلك القصر على أسرّ حال وأنعم بال، وبين يديهما عنب يأكلان منه، إذ رماها بحبة عنب وَهِيَ تَضْحَكُ فَشَرِقَتْ بِهَا فَمَاتَتْ، فَمَكَثَ أَيَّامًا يُقَبِّلُهَا وَيَرْشُفُهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ حَتَّى أَنْتَنَتْ وَجَيَّفَتْ فأمر بدفنها، فلما دفنها أقام أياما عندها على قَبْرِهَا هَائِمًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَنْزِلِ ثُمَّ عَادَ إِلَى قَبْرِهَا فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ:

فَإِنْ تَسْلُ عَنْكِ النَّفْسُ أَوْ تَدَعِ الصَّبَا ... فَبِالْيَأْسِ تَسْلُو عَنْكِ لَا بِالتَّجَلُّدِ

وَكُلُّ خَلِيلٍ زَارَنِي فَهُوَ قَائِلٌ ... مِنْ أَجْلِكِ هَذَا هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَدِ

ثُمَّ رَجَعَ فَمَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى خُرِجَ بِنَعْشِهِ وَكَانَ مَرَضُهُ بِالسُّلِّ. وَذَلِكَ بِالسَّوَادِ سَوَادِ الْأُرْدُنِّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ- وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَشَهْرًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ عُمْرُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقِيلَ خَمْسًا وَقِيلَ سِتًّا وَقِيلَ ثَمَانِيًا وَقِيلَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ. وَقِيلَ إِنَّهُ بَلَغَ الْأَرْبَعِينَ فاللَّه أَعْلَمُ.

وَكَانَ طَوِيلًا جَسِيمًا أَبْيَضَ مُدَوَّرَ الْوَجْهِ أَفْقَمَ الْفَمِ لَمْ يَشِبْ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ بِالْجَوْلَانِ، وَقِيلَ بِحَوْرَانَ وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ، وَعُمْرُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، وَقِيلَ بَلْ صَلَّى عَلَيْهِ أَخُوهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، وَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ حَتَّى دَفُنِ بَيْنَ بَابِ الْجَابِيَةِ وَبَابِ الصَّغِيرِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ قَدْ عَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لِأَخِيهِ هِشَامٍ، وَمِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، فَبَايَعَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ هِشَامًا

خِلَافَةُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ- وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَأَشْهَرٌ، لِأَنَّهُ وُلِدَ لَمَّا قَتَلَ أَبُوهُ عَبْدُ الْمَلِكِ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعَيْنِ، فَسَمَّاهُ مَنْصُورًا تَفَاؤُلًا، ثُمَّ قَدِمَ فَوَجَدَ أُمَّهُ قَدْ أَسْمَتْهُ بِاسْمِ أَبِيهَا هِشَامٍ، فَأَقَرَّهُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَتَتْهُ الْخِلَافَةُ وهو بالديثونة فِي مَنْزِلٍ لَهُ، فَجَاءَهُ الْبَرِيدُ بِالْعَصَا وَالْخَاتَمِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ فَرَكِبَ مِنَ الرَّصَافَةِ حَتَّى أَتَى دِمَشْقَ، فَقَامَ بِأَمْرِ الْخِلَافَةِ أَتَمَّ الْقِيَامِ، فَعَزَلَ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا عَنْ إِمْرَةِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ، وَوَلَّى عَلَيْهَا خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ، وَقِيلَ إِنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْعِرَاقِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمِائَةٍ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ خَالُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَخُو أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سِوَاهُ حَتَّى طَلَّقَهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ حَمْقَاءَ. وَفِيهَا قَوِيَ أَمْرُ دَعْوَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ فِي السِّرِّ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، وَحَصَلَ لِدُعَاتِهِمْ أَمْوَالٌ جَزِيلَةٌ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى أَمْرِهِمْ، وما هم بصدده.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ:

أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بن عفان

تقدم ذكر وفاته سنة خمس وثمانين، كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، قَالَ عَمْرُو بن شعيب

<<  <  ج: ص:  >  >>