للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْجَنِيقًا، فَمَكَثَ كَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ يَرْمِيهِمْ لَيْلًا ونهارا، ويخرجون إليه كُلِّ يَوْمٍ وَيُقَاتِلُونَ ثُمَّ يَرْجِعُونَ. هَذَا وَقَدْ ذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ مَعَهُ إِلَى تَدْمُرَ وَقَدِ اعْتَرَضُوا جَيْشَ مَرْوَانَ فِي الطَّرِيقِ وهموا بالفتك به وأن ينتهبوه فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ، وَتَهَيَّأَ لَهُمْ مَرْوَانُ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلُوا مِنْ جَيْشِهِ قَرِيبًا مِنْ سِتَّةِ آلَافٍ وَهُمْ تِسْعُمِائَةٍ، وَانْصَرَفُوا إِلَى تَدْمُرَ، وَلَزِمَ مَرْوَانُ مُحَاصَرَةَ حِمْصَ كَمَالَ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ، [فَلَمَّا تَتَابَعَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، وَلَزِمَهُمُ الذُّلُّ، سَأَلُوهُ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فأبى إلى أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِ، ثُمَّ سَأَلُوهُ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ] [١] وَابْنَيْهِ مَرْوَانَ وَعُثْمَانَ وَمِنَ السَّكْسَكِيِّ الَّذِي كَانَ حبس معه، ومن حبشي كان يفترى عليه ويشتمه فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ فَأَمَّنَهُمْ وَقَتَلَ أُولَئِكَ، ثُمَّ سار إلى الضحاك، وكان عبد الله بن عمرو بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَائِبُ الْعِرَاقِ قَدْ صَالَحَ الضَّحَّاكَ الْخَارِجِيَّ عَلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الْكُوفَةِ وَأَعْمَالِهَا، وَجَاءَتْ خُيُولُ مَرْوَانَ قَاصِدَةً إِلَى الْكُوفَةِ، فَتَلَقَّاهُمْ نَائِبُهَا مِنْ جِهَةِ الضَّحَّاكِ مِلْحَانُ الشَّيْبَانِيُّ- فقاتلهم- فقتل ملحان، واستناب الضَّحَّاكُ عَلَيْهَا الْمُثَنَّى بْنَ عِمْرَانَ مِنْ بَنِي عَائِذَةَ، وَسَارَ الضَّحَّاكُ فِي ذِي الْقِعْدَةِ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَسَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى الْكُوفَةِ فَانْتَزَعَهَا مِنْ أَيْدِي الْخَوَارِجِ، وَأَرْسَلَ الضَّحَّاكُ جَيْشًا إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِهِ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ سَعِيدُ بْنُ بَهْدَلٍ- وَكَانَ خَارِجِيًّا- اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ وَاشْتِغَالَهُمْ بِمَقْتَلِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، فَثَارَ فِي جَمَاعَةٍ من الخوارج بالعراق، فالتف عليه أربعة آلاف- ولم تجتمع قبلها الخارجي- فَقَصَدَتْهُمُ الْجُيُوشُ فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ، فَتَارَةً يَكْسِرُونَ وَتَارَةً يُكْسَرُونَ، ثُمَّ مَاتَ سَعِيدُ بْنُ بَهْدَلٍ فِي طَاعُونٍ أَصَابَهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْخَوَارِجِ مِنْ بَعْدِهِ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ هَذَا، فَالْتَفَّ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ، وَالْتَقَى هُوَ وَجَيْشٌ كَثِيرٌ فَغَلَبَتِ الْخَوَارِجُ وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا، مِنْهُمْ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- أَخُو أَمِيرِ الْعِرَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- فَرَثَاهُ بِأَشْعَارٍ. ثُمَّ قَصَدَ الضَّحَّاكُ بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مَرْوَانَ فَاجْتَازَ بِالْكُوفَةِ، فَنَهَضَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا فَكَسَرَهُمْ وَدَخَلَ الْكُوفَةَ فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا، وَاسْتَنَابَ بِهَا رَجُلًا اسْمُهُ حَسَّانُ، ثُمَّ اسْتَنَابَ مِلْحَانَ الشَّيْبَانِيَّ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَسَارَ هُوَ فِي طَلَبِ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز نَائِبِ الْعِرَاقِ، فَالْتَقَوْا فَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا وَتَفْصِيلُهَا.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْإِمَامِ وَمَعَهُمْ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ، فَدَفَعُوا إِلَيْهِ نَفَقَاتٍ كَثِيرَةً، وَأَعْطَوْهُ خُمْسَ أَمْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ لَهُمْ أَمْرٌ فِي هَذِهِ السنة لكثرة الشرور والمنتشرة، وَالْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ النَّاسِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خرج بالكوفة معاوية ابن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فدعا إلى نفسه وخرج إلى محاربة أمير العراق عبد الله بن عمر


[١] زيادة من المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>