للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أَنْ يُعْزَلَ نَصْرٌ وَيَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى. فَامْتَنَعَ نَصْرٌ مِنْ قَبُولِ ذَلِكَ، وَلَزِمَ الْجَهْمُ بْنُ صفوان] [١] وغير قراءة سيرة الحارث على الناس في الجامع والطرق، فاستجاب له خلق كثير، وجم غَفِيرٌ فَعِنْدَ ذَلِكَ انْتَدَبَ لِقِتَالِهِ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْجُيُوشِ عَنْ أَمْرِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، فَقَصَدُوهُ فحارب دُونَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً كَثِيرَةً مِنْهُمُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، طَعَنَهُ رَجُلٌ فِي فِيهِ فَقَتَلَهُ، وَيُقَالُ بَلْ أُسِرَ الْجَهْمُ فَأُوقِفُ بَيْنَ يَدَيْ سَلْمِ بْنِ أَحْوَزَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: إن لي أمانا من أبيك، فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَمِّنَكَ، وَلَوْ فَعَلَ مَا أَمَّنْتُكَ، وَلَوْ مَلَأْتَ هَذِهِ الْمُلَاءَةَ كواكب، وأنزلت عيسى بن مريم، ما نجوت، والله ولو كُنْتَ فِي بَطْنِي لَشَقَقْتُ بَطْنِي حَتَّى أَقْتُلَكَ. وأمر ابن ميسر فَقَتَلَهُ. ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ وَالْكَرْمَانِيُّ عَلَى نَصْرٍ وَمُخَالَفَتِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَتَحْرِيمِ الْمُنْكِرَاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَاقْتَتَلَا قِتَالًا شَدِيدًا، فَغَلَبَ الْكَرْمَانِيُّ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُ الْحَارِثِ. وَكَانَ رَاكِبًا عَلَى بَغْلٍ فتحول إِلَى فَرَسٍ فَحَرَنَتْ أَنْ تَمْشِيَ، وَهَرَبَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْهُمْ سِوَى مِائَةٌ، فَأَدْرَكَهُ أَصْحَابُ الْكَرْمَانِيِّ فَقَتَلُوهُ تَحْتَ شَجَرَةِ زَيْتُونٍ، وقيل تحت شجرة عبيرا.

وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَحَدِ لَسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقُتِلَ مَعَهُ مِائَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاحْتَاطَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى حَوَاصِلِهِ وَأَمْوَالِهِ، وَأَخَذَ أَمْوَالَ مَنْ خَرَجَ مَعَهُ أَيْضًا، وَأَمَرَ بِصَلْبِ الحارث بلا رأس على باب مَرْوَ، وَلَمَّا بَلَغَ نَصْرَ بْنَ سَيَّارٍ مَقْتَلُ الْحَارِثِ قَالَ فِي ذَلِكَ:

يَا مُدْخِلَ الذُّلِّ عَلَى قَوْمِهِ ... بُعْدًا وَسُحْقًا لَكَ مِنْ هَالِكِ

شُؤْمُكَ أَرْدَى مُضَرًا كُلَّهَا ... وَغَضَّ مِنْ قَوْمِكَ بِالْحَارِكِ

مَا كَانَتِ الْأَزْدُ وَأَشْيَاعُهَا ... تَطْمَعُ فِي عمرو ولا مالك

ولا بنى سعد إذ أَلْجَمُوا ... كُلَّ طِمِرٍّ لَوْنُهُ حَالِكُ

وَقَدْ أَجَابَهُ عَبَّادُ [٢] بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا قَالَ:

أَلَّا يَا نَصْرُ قَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ ... وَقَدْ طَالَ التَّمَنِّيَ وَالرَّجَاءُ

وَأَصْبَحَتِ الْمَزُونُ بِأَرْضِ مَرْوٍ ... تُقَضِّي فِي الْحُكُومَةِ مَا تَشَاءُ

يَجُوزُ قَضَاؤُهَا فِي كُلِّ حُكْمٍ ... عَلَى مُضَرٍ وَإِنْ جَارَ الْقَضَاءُ

وَحِمْيَرُ فِي مَجَالِسِهَا قُعُودٌ ... تَرَقْرَقُ فِي رِقَابِهِمُ الدِّمَاءُ

فَإِنَّ مُضَرٌ بِذَا رَضِيَتْ وَذَلَّتْ ... فَطَالَ لَهَا الْمَذَلَّةُ وَالشَّقَاءُ

وَإِنْ هِيَ أَعَتَبَتْ فِيهَا وَإِلَّا ... فَحَلَّ عَلَى عَسَاكِرِهَا الْعَفَاءُ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ إِبْرَاهِيمُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَبَا مسلم الخراساني إلى خراسان


[١] زيادة من المصرية.
[٢] في المصرية عتاب وفي نسخة القسطنطينية غياث وصححناه من تاريخ ابن جرير الطبري ٩: ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>