للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر استقرار أبى العباس السفاح]

وهو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ واستقلاله بالخلافة وَمَا اعْتَمَدَهُ فِي أَيَّامِهِ مِنَ السِّيرَةِ الْحَسَنَةِ قد تقدم أنه أول ما بويع له بالخلافة بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، سَنَةَ ثنتين وثلاثين ومائة، ثم جرد الجيوش إلى مروان فطردوه عن المملكة وأجلوه عنها، وما زالوا خلفه حتى قتلوه ببوصير من بلاد الصعيد، بأرض مصر، فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هذه السنة على ما تقدم بيانه، وحينئذ استقل السفاح بالخلافة وَاسْتَقَرَّتْ يَدُهُ عَلَى بِلَادِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْحِجَازِ والشام والديار المصرية، خلا بلاد الأندلس، فإنه لم يحكم عليها ولا وصل سلطانه إليها، وذلك أن بعض من دخلها من بنى أمية استحوذ عليها وملكها كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَدْ خَرَجَ عَلَى السَّفَّاحِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ طَوَائِفُ، فَمِنْهُمْ أَهْلُ قِنَّسْرِينَ بعد ما بايعوه على يدي عمه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَقَرَّ عَلَيْهِمْ أَمِيرُهُمْ مَجْزَأَةُ بْنُ الْكَوْثَرِ بْنِ زُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مَرْوَانَ وَأُمَرَائِهِ، فَخَلَعَ السَّفَّاحَ وَلَبِسَ الْبَيَاضَ، وَحَمَلَ أَهْلَ الْبَلَدِ عَلَى ذَلِكَ فَوَافَقُوهُ، وَكَانَ السَّفَّاحُ يَوْمَئِذٍ بِالْحِيرَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ مَشْغُولٌ بِالْبَلْقَاءِ يُقَاتِلُ بِهَا حبيب بن مرة المزي وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلْقَاءِ وَالْبَثَنِيَّةِ وَحَوْرَانَ على خلع السفاح، فَلَمَّا بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ مَا فَعَلُوا صالح حبيب بن مرة وسار نَحْوَ قِنَّسْرِينَ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِدِمَشْقَ- وَكَانَ بِهَا أَهْلُهُ وَثِقَلُهُ- اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا أَبَا غَانِمٍ عَبْدَ الحميد بن ربعي الكناني فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْبَلَدَ وَانْتَهَى إِلَى حِمْصَ، نَهَضَ أَهْلُ دِمَشْقَ مَعَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ سراقة فخلعوا السفاح وبيضوا وقتلوا الأمير أبا غانم وَقَتَلُوا جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَانْتَهَبُوا ثِقَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَحَوَاصِلِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَهْلِهِ. وتفاقم الأمر على عبد الله وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ قِنَّسْرِينَ تَرَاسَلُوا مَعَ أَهْلِ حمص وتزمروا وَاجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيِّ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ معاوية بن أبى سفيان، فبايعوه بِالْخِلَافَةِ وَقَامَ مَعَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَقَصَدَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فَالْتَقَوْا بِمَرْجِ الأخرم، فَاقْتَتَلُوا مَعَ مُقَدِّمَةِ السُّفْيَانِيِّ وَعَلَيْهَا أَبُو الْوَرْدِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَهَزَمُوا عَبْدَ الصَّمَدِ وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ أُلُوفٌ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بن على ومعه حميد بن قحطبة فاقتتلوا قتالا شديدا جدا، وَجَعَلَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَفِرُّونَ وَهُوَ ثَابِتٌ وهو حميد. وَمَا زَالَ حَتَّى هُزِمَ أَصْحَابُ أَبِي الْوَرْدِ، وثبت أبو الورد في خمسمائة فارس مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَقَوْمِهِ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا وَهَرَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى لَحِقُوا بِتَدْمُرَ، وَآمَنَ عَبْدُ اللَّهِ أَهْلَ قِنَّسْرِينَ وَسَوَّدُوا وبايعوه ورجعوا إلى الطاعة، ثم كر عبد الله راجعا إلى دِمَشْقَ وَقَدْ بَلَغَهُ مَا صَنَعُوا، فَلَمَّا دَنَا منها تفرقوا عنها ولم يكن منهم قتال فأمنهم ودخلوا في الطاعة. وَأَمَّا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ فَإِنَّهُ مَا زَالَ مضيعا ومشتتا حَتَّى لَحِقَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَقَاتَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>