للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذْ رَآكَ مَوْضِعًا لِأَمَلِهِ، وَرَآنِي أَهْلًا لِحَاجَتِهِ، وقد قضيت أنا حاجته فصدق أنت أَمَلَهُ. وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُنْشِدُ هَذَا الْبَيْتَ: -

إذا خرج الكتاب كان دويهم ... قسيا وأقلام القسي لَهَا نَبْلًا

وَأَبُو سَلَمَةَ حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ، هو أَوَّلُ مَنْ وَزَرَ لِآلِ الْعَبَّاسِ، قَتَلَهُ أَبُو مسلم بالأنبار عَنْ أَمْرِ السَّفَّاحِ، بَعْدَ وِلَايَتِهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، في شهر رجب. وكان ذا هيئة فاضلا حسن المفاكهة، وكان السفاح يأنس به وَيُحِبُّ مُسَامَرَتَهُ لِطِيبِ مُحَاضَرَتِهِ، وَلَكِنْ تَوَهَّمَ مَيْلَهُ لآل على فدس أبو مسلم عليه مَنْ قَتَلَهُ غِيلَةً كَمَا تَقَدَّمَ، فَأَنْشَدَ السَّفَّاحُ عند قتله:

إِلَى النَّارِ فَلْيَذْهَبْ وَمَنْ كَانَ مِثْلُهُ ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ فَاتَنَا مِنْهُ نَأْسَفُ

كَانَ يُقَالُ لَهُ وَزِيرُ آلِ مُحَمَّدٍ، وَيُعْرَفُ بِالْخَلَّالِ، لِسُكْنَاهُ بدرب الخلالين بالكوفة، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِالْوَزِيرِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ خَلِّكَانَ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّ اشْتِقَاقَ الْوَزِيرِ مِنَ الْوِزْرِ وَهُوَ الْحِمْلُ، فَكَأَنَّ السُّلْطَانَ حمله أثقالا لاستناده إِلَى رَأْيِهِ، كَمَا يَلْجَأُ الْخَائِفُ إِلَى جَبَلٍ يعتصم به.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ

فِيهَا ولى السفاح عمه سليمان الْبَصْرَةَ وَأَعْمَالَهَا، وَكُوَرَ دِجْلَةَ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ. وَوَجَّهَ عمه إسماعيل ابن عَلِيٍّ إِلَى كُوَرِ الْأَهْوَازِ. وَفِيهَا قَتَلَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مَنْ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي أمية، وفيها توفى داود ابن عَلِيٍّ بِالْمَدِينَةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَاسْتَخْلَفَ ابنه موسى على عمله، وكانت ولايته على الحجاز ثلاثة أشهر، فلما بلغ السفاح موته اسْتَنَابَ عَلَى الْحِجَازِ خَالَهُ زِيَادَ بْنَ عُبَيْدِ الله بن عبد الدار الْحَارِثِيَّ، وَوَلَّى الْيَمَنَ لِابْنِ خَالِهِ مُحَمَّدِ بْنِ يزيد بن عبيد الله بن عبد الدار، وَجَعَلَ إِمْرَةَ الشَّامِ لِعَمَّيْهِ عَبْدِ اللَّهِ وَصَالِحٍ بنى على، وأقر أبا عون على الديار المصرية نائبا. وَفِيهَا تَوَجَّهَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى فَتَحَهَا. وَفِيهَا خَرَجَ شَرِيكُ بْنُ شَيْخٍ الْمَهْرِيُّ بِبُخَارَى عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ وَقَالَ:

مَا عَلَى هَذَا بَايَعْنَا آلَ محمد، على سفك الدماء وقتل الأنفس؟ وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَحْوٌ مَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو مُسْلِمٍ زِيَادَ بْنَ صَالِحٍ الْخُزَاعِيَّ فَقَاتَلَهُ فَقَتَلَهُ.

وَفِيهَا عَزَلَ السَّفَّاحُ أَخَاهُ يحيى بن محمد عن الموصل، وولى عليه عمه إسماعيل. وفيها ولى الصائفة من جهته صالح بن على بن سعيد بن عبيد الله وغزا ما وراء الدروب. وحج بالناس خال السفاح زياد ابن عبيد الله بن عبد الدار الْحَارِثِيُّ. وَنُوَّابُ الْبِلَادِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الَّتِي قَبْلَهَا سِوَى مِنْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُزِلَ

. ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ

فِيهَا خَلَعَ بَسَّامُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَسَّامٍ الطَّاعَةَ وَخَرَجَ عَلَى السَّفَّاحِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ خَازِمَ بْنَ خُزَيْمَةَ فَقَاتَلَهُ فَقَتَلَ عَامَّةَ أَصْحَابِهِ، وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرُهُ. ورجع فمر يملأ من بنى عبد الدار أخوال السفاح فسألهم

<<  <  ج: ص:  >  >>