للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد نلت بالعزم وَالْكِتْمَانِ مَا عَجَزَتْ ... عَنْهُ مُلُوكُ بَنِي مَرْوَانَ إِذْ حَشَدُوا

مَا زِلْتُ أَضْرِبُهُمْ بِالسَّيْفِ فَانْتَبَهُوا ... من رقدة لم ينمها قبلهم أحد

وطفت أَسْعَى عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ ... وَالْقَوْمُ فِي مُلْكِهِمْ في الشام قَدْ رَقَدُوا

وَمَنْ رَعَى غَنَمًا فِي أَرْضِ مَسْبَعَةٍ ... وَنَامَ عَنْهَا تَوَلَّى رَعْيَهَا الْأَسَدُ

وَقَدْ كان قتل أبى مسلم بِالْمَدَائِنِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ، وَقِيلَ لِخَمْسٍ بَقِينَ، وَقِيلَ لِأَرْبَعٍ، وَقِيلَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ سَبْعٍ وثلاثين ومائة- قال بَعْضُهُمْ: كَانَ ابْتِدَاءُ ظُهُورِهِ فِي رَمَضَانَ مِنْ سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل في شعبان سنة سبع وعشرين وَمِائَةٍ.

وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قُتِلَ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ، فَإِنَّ بغداد لم تكن بنيت بعد كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، ورد هذا القول.

ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ شَرَعَ فِي تَأْلِيفِ أَصْحَابِ أبى مسلم بالأعطية والرغبة والرهبة والولايات، وَاسْتَدْعَى أَبَا إِسْحَاقَ- وَكَانَ مِنْ أَعَزِّ أَصْحَابِ أبى مسلم- وكان على شرطة أبى مسلم، وَهَمَّ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّهِ مَا أَمِنْتُ قَطُّ إِلَّا فِي هَذَا اليوم، وما من يوم كنت أدخل عليك إلا تحنطت ولبست كفني. ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ثِيَابِهِ الَّتِي تَلِي جَسَدَهُ فَإِذَا هُوَ مُحَنَّطٌ وَعَلَيْهِ أَدْرَاعُ أَكْفَانٍ، فَرَقَّ لَهُ الْمَنْصُورُ وَأَطْلَقَهُ وَذِكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ قَتَلَ فِي حُرُوبِهِ وَمَا كَانَ يَتَعَاطَاهُ لِأَجْلِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ صبرا زيادة عن من قتل بغير ذلك. وَقَدْ قَالَ لِلْمَنْصُورِ وَهُوَ يُعَاتِبُهُ عَلَى مَا كَانَ يَصْنَعُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُقَالُ لي هَذَا بَعْدَ بَلَائِي وَمَا كَانَ مِنِّي. فَقَالَ له: يا ابن الخبيثة، لو كانت أمة مكانك لأجزأت ناحيتها، إنما عملت ما عملت بدولتنا وبريحنا، لو كان ذلك إليك لما وصلت إلى فتيل. وَلَمَّا قَتَلَهُ الْمَنْصُورُ لُفَّ فِي كِسَاءٍ وَهُوَ مُقَطَّعٌ إِرَبًا إِرَبًا، فَدَخَلَ عِيسَى بْنُ مُوسَى فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْنَ أَبُو مُسْلِمٍ؟

قال: قد كان ها هَاهُنَا آنِفًا. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَرَفْتَ طَاعَتَهُ وَنَصِيحَتَهُ وَرَأْيَ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ فِيهِ. فَقَالَ لَهُ: يَا أَنْوَكُ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ عَدُوًّا أَعْدَى لَكَ مِنْهُ، هَا هُوَ ذَاكَ فِي الْبِسَاطِ. فَقَالَ:

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ٢: ١٥٦. فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: خَلَعَ الله قلبك! وهل كان لكم مكان أَوْ سُلْطَانٌ أَوْ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ؟ ثُمَّ اسْتَدْعَى الْمَنْصُورُ بِرُءُوسِ الْأُمَرَاءِ فَجَعَلَ يَسْتَشِيرُهُمْ فِي قَتْلِ أَبِي مُسْلِمٍ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِقَتْلِهِ، فَكُلُّهُمْ يُشِيرُ بِقَتْلِهِ، وَمِنْهُمْ من كان إذا تكلم أسر كلامه خوفا من أبى مسلم لئلا ينقل إليه، فلما أطلعهم على قتله أفزعهم ذَلِكَ وَأَظْهَرُوا سُرُورًا كَثِيرًا. ثُمَّ خَطَبَ الْمَنْصُورُ الناس بذلك كما تقدم.

ثم كتب المنصور إِلَى نَائِبِ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ بكتاب على لسان أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يَقْدُمَ بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ من الحواصل والذخائر والأموال والجواهر، وختم الكتاب بخاتم أبى مسلم بكماله، مطبوعا بكل فص الخاتم، فلما رآه الخازن اسْتَرَابَ فِي الْأَمْرِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ تقدم إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>