للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[والعباس بن محمد]

ابن علي بن عبد الله بن عباس عم الرَّشِيدِ، كَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، وَلِيَ إِمَارَةَ الْجَزِيرَةِ فِي أَيَّامِ الرَّشِيدِ، وَقَدْ أَطْلَقَ لَهُ الرشيد في يوم خمسة آلاف دِرْهَمٍ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْعَبَّاسِيَّةُ، وَبِهَا دُفِنَ وَعُمْرُهُ خمس وستون سنة، وصلى عليه الأمين.

ويقطين بْنُ مُوسَى

كَانَ أَحَدَ الدُّعَاةِ إِلَى دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَانَ دَاهِيَةً ذَا رَأْيٍ، وَقَدِ اختال مرة حيلة عظيمة لما حَبَسَ مَرْوَانُ الْحِمَارُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ بِحَرَّانَ، فتحيرت الشيعة العباسية فيمن يولون، ومن يكون ولي الأمر من بعده إن قتل؟ فَذَهَبَ يَقْطِينُ هَذَا إِلَى مَرْوَانَ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي صُورَةِ تَاجِرٍ فَقَالَ:

يَا أَمِيرَ المؤمنين إني قد بعت إبراهيم بن محمد بضاعة وَلَمْ أَقْبِضْ ثَمَنَهَا مِنْهُ حَتَّى أَخَذَتْهُ رُسُلُكَ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وبينه لأطالبه بمالي فعل قَالَ: نَعَمْ! فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَيْهِ مَعَ غُلَامٍ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ إِلَى من أوصيت بعدك آخذ مالي منه؟ فقال له: إِلَى ابْنِ الْحَارِثِيَّةِ- يَعْنِي أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ السَّفَّاحَ- فَرَجَعَ يَقْطِينُ إِلَى الدُّعَاةِ إِلَى بَنِي العباس فأعلمهم بما قال، فبايعوا السفاح، فكان من أمره ما ذكرناه.

[ثم دخلت سنة سبع وثمانين ومائة]

فيها كان مهلك البرامكة على يدي الرشيد، قتل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، ودمر ديارهم واندرست آثارهم، وذهب صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ على أقوال ذكرها ابن جرير وغيره، قِيلَ إِنَّ الرَّشِيدَ كَانَ قَدْ سَلَّمَ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ إِلَى جَعْفَرٍ البرمكي ليسجنه عنده، فما زال يحيى يترفق له حتى أطلقه، فنمّ الفضل بن الربيع ذلك إلى الرشيد فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ:

وَيْلَكَ لَا تَدْخُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ جَعْفَرٍ، فَلَعَلَّهُ أَطْلَقَهُ عَنْ أَمْرِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ. ثُمَّ سَأَلَ الرَّشِيدُ جَعْفَرًا عَنْ ذلك فصدقه فتغيظ عليه وحلف ليقتلنه، وكره البرامكة، ثم قتلهم وقلاهم بَعْدَ مَا كَانُوا أَحْظَى النَّاسِ عِنْدَهُ، وَأَحَبَّهُمْ إليه، وكانت أم جعفر والفضل أم الرشيد من الرضاعة، وقد جعلهم الرشيد مِنَ الرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا وَكَثْرَةِ الْمَالِ بِسَبَبِ ذلك شيئا كثيرا لَمْ يَحْصُلْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَلَا لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَكَابِرِ وَالرُّؤَسَاءِ، بِحَيْثُ إِنَّ جَعْفَرًا بَنَى دَارًا غَرِمَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا نقمه عليه الرشيد. ويقال: إنما قتلهم الرشيد لأنه كان لا يمر ببلد ولا إقليم ولا قرية ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>