للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، فعلم منهم بذلك الطاعة والموافقة، وقيل إنه مَكَثَ يَلْبَسُ الْخُضْرَةَ بَعْدَ قُدُومِهِ بَغْدَادَ سَبْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فاللَّه أَعْلَمُ.

وَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ عَمُّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ بَعْدَ اخْتِفَائِهِ سِتَّ سِنِينَ وَشُهُورًا قَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: أَنْتَ الْخَلِيفَةُ الْأَسْوَدُ، فَأَخَذَ فِي الِاعْتِذَارِ وَالِاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا الَّذِي مَنَنْتَ عَلَيْهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ، وَأَنْشَدَ الْمَأْمُونَ عِنْدَ ذَلِكَ:

لَيْسَ يُزْرِي السواد بالرجل الشهم ... وَلَا بِالْفَتَى الْأَدِيبِ الْأَرِيبِ

إِنْ يَكُنْ لِلسَّوَادِ مِنْكَ نَصِيبُ ... فَبَيَاضُ الْأَخْلَاقِ مِنْكَ نَصِيبِي

قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَقَدْ نَظَمَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ المتأخرين وهو نصر الله بن قلانس الْإِسْكَنْدَرِيُّ فَقَالَ:

رُبَّ سَوْدَاءَ وَهِيَ بَيْضَاءُ فِعْلِ ... حَسَدَ الْمِسْكَ عِنْدَهَا الْكَافُورُ

مِثْلُ حَبِّ الْعُيُونِ يحسبه الناس ... سَوَادًا وَإِنَّمَا هُوَ نُورُ

وَكَانَ الْمَأْمُونُ قَدْ شَاوَرَ فِي قَتْلِ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ بعض أصحابه فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَزِيرُ الْأَحْوَلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ قَتَلْتَهُ فَلَكَ نُظَرَاءُ في ذلك، وَإِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ فَمَا لَكَ نَظِيرٌ. ثُمَّ شَرَعَ الْمَأْمُونُ فِي بِنَاءِ قُصُورٍ عَلَى دِجْلَةَ إلى جانب قصره، وَسَكَنَتِ الْفِتَنُ وَانْزَاحَتِ الشُّرُورُ، وَأَمَرَ بِمُقَاسَمَةِ أَهْلِ السَّوَادِ عَلَى الْخُمْسَيْنِ، وَكَانُوا يُقَاسِمُونَ عَلَى النِّصْفِ. واتخذ القفيز الملحم وهو عشرة مكاكى بالمكوك الأهوازي، ووضع شيئا كثيرا من خراجات بلادشتى، وَرَفَقَ بِالنَّاسِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَوَلَّى أَخَاهُ أَبَا عِيسَى بْنَ الرَّشِيدِ الْكُوفَةَ، وَوَلَّى أَخَاهُ صالح البصرة، وولى عبيد الله بن الحسين ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نِيَابَةَ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي حَجَّ بالناس فيها. وواقع يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ بَابَكَ الْخُرَّمِيَّ فَلَمْ يَظْفَرْ به.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ:

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ

وَقَدْ أَفْرَدْنَا لَهُ تَرْجَمَةً مُطَوَّلَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا طَبَقَاتِ الشَّافِعِيِّينَ، وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا مُلَخَّصًا مِنْ ذَلِكَ وباللَّه المستعان.

هو مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عبد يزيد بن هاشم ابن الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَّيٍّ، الْقُرَشِيُّ الْمُطَّلِبيُّ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُبَيْدٍ أَسْلَمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وابنه شافع ابن السَّائِبِ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَأُمُّهُ أَزْدِيَّةٌ. وَقَدْ رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا حَتَّى انْقَضَّ بِمِصْرَ، ثُمَّ وَقَعَ في كل بلد منه شظية. وقد ولى الشَّافِعِيُّ بِغَزَّةَ، وَقِيلَ بِعَسْقَلَانَ، وَقِيلَ بِالْيَمَنِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَحَمَلَتْهُ أُمُّهُ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ لِئَلَّا يَضِيعَ نَسَبُهُ، فَنَشَأَ بِهَا وَقَرَأَ الْقُرْآنَ وَهُوَ ابْنُ سبْعِ سِنِينَ، وَحَفِظَ الْمُوَطَّأَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، وَأَفْتَى وَهُوَ ابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>