للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ عَرَبٍ ... بَيْنَ باديه إلى حضره

يرتجيه نيل مكرمة ... يأتسيها يَوْمَ مُفْتَخَرِهْ

وَلَمَّا بَلَغَ الْمَأْمُونَ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ- وهي قصيدة طويلة- عارض فيها أبا نواس فتطلبه المأمون فهرب منه ثُمَّ أُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ فَضَّلْتَ الْقَاسِمَ بْنَ عِيسَى عَلَيْنَا. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتٍ اصْطَفَاكُمُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ عِبَادِهِ، وَآتَاكُمْ مُلْكًا عَظِيمًا، وَإِنَّمَا فَضَّلْتُهُ عَلَى أَشْكَالِهِ وَأَقْرَانِهِ.

فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أبقيت أحدا حَيْثُ تَقُولُ:

كُلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ عرب ... بين باديه إلى حضره

ومع هذا فلا أستحل فتلك بهذا، ولكن بشركك وكفرك حَيْثُ تَقُولُ فِي عَبْدٍ ذَلِيلٍ:

أَنْتَ الَّذِي تُنْزِلُ الْأَيَّامَ مَنْزِلَهَا ... وَتَنْقُلُ الدَّهْرَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ

وَمَا مَدَدْتَ مَدَى طَرَفٍ إِلَى أَحَدٍ ... إِلَّا قَضَيْتَ بِأَرْزَاقٍ وَآجَالِ

ذَاكَ اللَّهُ يَفْعَلُهُ، أَخْرِجُوا لِسَانَهُ مِنْ قَفَاهُ. فَأَخْرَجُوا لِسَانَهُ في هذه السنة فمات. وَقَدِ امْتَدَحَ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطُّوسِيَّ:

إنما الدنيا حميد ... وأياديه جسام

فإذا ولى حميد ... فعلى الدنيا السلام

ولما مات حميد هذا رثاه أبو العتاهية بقوله:

أَبَا غَانِمٍ أَمَّا ذَرَاكَ فَوَاسِعٌ ... وَقَبْرُكَ مَعْمُورُ الْجَوَانِبِ مُحْكَمُ

وَمَا يَنْفَعُ الْمَقْبُورَ عُمْرَانُ قَبْرِهِ ... إِذَا كَانَ فِيهِ جِسْمُهُ يَتَهَدَّمُ

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ خِلِّكَانَ لِعَكَوَّكٍ هَذَا أَشْعَارًا جَيِّدَةً تَرَكْنَاهَا اختصارا.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ

فِي يَوْمِ السَّبْتِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا الْتَقَى مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَبَابَكُ الْخُرَّمِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ، فَقَتَلَ الْخُرَّمِيُّ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ جَيْشِهِ، وَقَتَلَهُ أَيْضًا وَانْهَزَمَ بَقِيَّةُ أَصْحَابِ ابْنِ حميد، فَبَعَثَ الْمَأْمُونُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ وَيَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ يُخَيِّرَانِهِ بين خراسان، ونيابة الجبال وأذربيجان وأرمينية ومحاربة بَابَكَ، فَاخْتَارَ الْمُقَامَ بِخُرَاسَانَ لِكَثْرَةِ احْتِيَاجِهَا إِلَى الضبط، وللخوف من ظهور الخوارج. وَفِيهَا دَخَلَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ الرَّشِيدِ الدِّيَارَ المصرية فانتزعها من يد عبد السَّلَامِ وَابْنِ جَلِيسٍ وَقَتَلَهُمَا. وَفِيهَا خَرَجَ رَجُلٌ يقال له بلال الضبابي فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ ابْنَهُ الْعَبَّاسَ فِي جَمَاعَةٍ من الأمراء فقتلوا بلالا ورجعوا إلى بغداد. وَفِيهَا وَلَّى الْمَأْمُونُ عَلِيَّ بْنَ هِشَامٍ الْجَبَلَ وَقُمَّ وَأَصْبَهَانَ وَأَذْرَبِيجَانَ. وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ إِسْحَاقُ بن الْعَبَّاسُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.

[وفيها توفى]

أحمد بن خالد الموهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>