للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى صبيحة يوم الجمعة فقال ابن أبى دؤاد رأيت أن يلقب بِالْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ إلى الآفاق وأمر بإعطاء الشَّاكِرِيَّةِ مِنَ الْجُنْدِ ثَمَانِيَةَ شُهُورٍ، وَلِلْمَغَارِبَةِ أَرْبَعَةَ شُهُورٍ، وَلِغَيْرِهِمْ ثَلَاثَةَ شُهُورٍ، وَاسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِهِ. وَقَدْ كَانَ الْمُتَوَكِّلُ رَأَى فِي مَنَامِهِ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ هَارُونَ الْوَاثِقِ كَأَنَّ شَيْئًا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَكْتُوبٌ فِيهِ جَعْفَرٌ الْمُتَوَكِّلُ على الله، فعبره فَقِيلَ لَهُ هِيَ الْخِلَافَةُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَخَاهُ الواثق فسجنه حينا ثم أرسله.

وفيها حج بالناس أمير الحجيج محمد بن داود. وفيها توفى الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ.

النَّاقِدُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ

فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعِ صَفَرٍ مِنْهَا أَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ بِالْقَبْضِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عبد الملك ابن الزَّيَّاتِ وَزِيرِ الْوَاثِقِ، وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ يُبْغِضُهُ لِأُمُورٍ، منها أن أخاه الواثق غضب على المتوكل في بعض الأوقات وكان ابن الزيات يزيده غضبا عليه، فبقي ذلك في نفسه، ثُمَّ كَانَ الَّذِي اسْتَرْضَى الْوَاثِقَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بن أبى دؤاد فحظي بذلك عنده في أيام ملكه، ومنها أَنَّ ابْنَ الزَّيَّاتِ كَانَ قَدْ أَشَارَ بِخِلَافَةِ محمد بن الْوَاثِقِ بَعْدَ أَبِيهِ، وَلَفَّ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَجَعْفَرٌ المتوكل في جنب دار الخلافة لم يلتفت إليه ولم يَتِمَّ الْأَمْرُ إِلَّا لِجَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ، رَغْمِ أَنْفِ ابْنِ الزَّيَّاتِ. فَلِهَذَا أَمَرَ بِالْقَبْضِ عليه سريعا فطلبه فركب بعد غدائه وهو يظن أن الخليفة بعث إليه، فانتهى به الرسول إلى دار إيتاخ أمير الشرطة فاحتيط به وَقُيِّدَ وَبَعَثُوا فِي الْحَالِ إِلَى دَارِهِ فَأُخِذَ جميع ما فيها من الأموال واللآلي والجواهر والحواصل والجواري والإناث، ووجدوا في مجلسه الخاص به آلات الشرب، وبعث المتوكل في الحال أيضا إلى حواصله بسامراء وضياعه وما فيها فاحتاط عليها، وأمر به أن يعذب ومنعوه من الكلام، وَجَعَلُوا يُسَاهِرُونَهُ كُلَّمَا أَرَادَ الرُّقَادَ نُخِسَ بِالْحَدِيدِ، ثم وضعه بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي تَنُّورٍ مِنْ خَشَبٍ فِيهِ مَسَامِيرُ قَائِمَةٌ فِي أَسْفَلِهِ فَأُقِيمَ عَلَيْهَا ووكل به من يمنعه من القيود والرقاد، فَمَكَثَ كَذَلِكَ أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ وَهُوَ كَذَلِكَ. ويقال إنه أخرج من التنور وفيها رَمَقٌ فَضُرِبَ عَلَى بَطْنِهِ ثُمَّ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ تَحْتَ الضَّرْبِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ أُحْرِقَ ثُمَّ دُفِعَتْ جُثَّتُهُ إِلَى أَوْلَادِهِ فَدَفَنُوهُ، فنبشت عليه الكلاب فأكلت ما بقي من لحمه وجلده. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لِإِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا. وَكَانَ قِيمَةُ مَا وُجِدَ لَهُ مِنَ الحواصل نحوا من تسعين أَلْفِ دِينَارٍ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ سَأَلَهُ عن قتل أحمد بن نصر الخزاعي فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَحْرَقَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ إِنْ قَتَلَهُ الْوَاثِقُ إِلَّا كَافِرًا. قَالَ الْمُتَوَكِّلُ: فأنا أحرقته بالنار.

وفيها في جمادى الأولى منها بعد مهلك ابن الزيات فُلِجَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ الْقَاضِي الْمُعْتَزِلِيُّ.

فلم يزل مفلوجا حَتَّى مَاتَ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ، كما دعا على نفسه حين سأله المتوكل عن

<<  <  ج: ص:  >  >>