للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذِهْنِهِ وَجَوْدَةِ تَصَرُّفِهِ. وَمِنْ أَجَلِّ كُتُبِهِ كِتَابُ الْحَيَوَانِ، وَكِتَابُ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ. قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ:

وهما أحسن مصنفاته وَقَدْ أَطَالَ تَرْجَمَتَهُ بِحِكَايَاتٍ ذَكَرَهَا عَنْهُ. وَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُ الْفَالِجُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَحَكَى أَنَّهُ قَالَ: أَنَا مِنْ جَانِبِي الْأَيْسَرِ مَفْلُوجٌ لَوْ قُرِضَ بِالْمَقَارِيضِ مَا عَلِمْتُ، وَجَانِبِي الْأَيْمَنُ منضرس لو مرت به ذبابة لآلمتنى، وَبِي حَصَاةٌ، وَأَشَدُّ مَا عَلَيَّ سِتٌّ وَتِسْعُونَ سَنَةً. وَكَانَ يُنْشِدُ: -

أَتَرْجُو أَنْ تَكُونَ وَأَنْتَ شَيْخٌ ... كَمَا قَدْ كُنْتَ أَيَّامَ الشَّبَابِ

لَقَدْ كَذَبَتْكَ نَفْسُكَ لَيْسَ ثَوْبٌ ... دَرِيسٌ كَالْجَدِيدِ مِنَ الثياب

وفيها توفى عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الطُّوسِيُّ. وَالْخَلِيفَةُ أَبُو عبد الله المعتز بن المتوكل. ومحمد بن عبد الرحيم الملقب صاعقة.

محمد بن كرّام

الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْكَرَّامِيَّةُ. وَقَدْ نُسِبَ إليه جواز وضع الأحاديث على الرسول وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ كَرَّامٍ- بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، عَلَى وَزْنِ جَمَّالٍ- بْنِ عراف بن حزامة بْنِ الْبَرَاءِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السِّجِسْتَانِيُّ الْعَابِدُ، يقال إنه من بنى تراب، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ كِرَامٍ بِكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ الَّذِي سَكَنَ بَيْتَ المقدس إلى أن مات، وَجَعَلَ الْآخَرَ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ نَيْسَابُورَ. وَالصَّحِيحُ الّذي يظهر من كلام أبى عبد الله الحاكم وابن عَسَاكِرَ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ كَرَّامٍ عن على بن حجرد وَعَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ السَّمَرْقَنْدِيِّ، سَمِعَ مِنْهُ التفسير عن محمد ابن مروان عن الكلبي، وإبراهيم بن يوسف الماكناني، وملك بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَرَوِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ، وَعَتِيقِ بن محمد الجسرى، وَأَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِ النَّيْسَابُورِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الله الحوسارى، ومحمد بن تميم القارياني، وَكَانَا كَذَّابَيْنِ وَضَّاعَيْنِ- وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقِيرَاطِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيُّ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ حُبِسَ فِي حَبْسِ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا أَطْلَقَهُ ذَهَبَ إِلَى ثُغُورِ الشَّامِ ثُمَّ عَادَ إِلَى نَيْسَابُورَ فَحَبَسَهُ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ الله وأطال حَبْسُهُ وَكَانَ يَتَأَهَّبُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَيَأْتِي إِلَى السَّجَّانِ فَيَقُولُ:

دَعْنِي أَخْرُجْ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَيَمْنَعُهُ السَّجَّانُ فَيَقُولُ: اللَّهمّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ غَيْرِي. وَقَالَ غَيْرُهُ:

أَقَامَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِلْوَعْظِ عِنْدَ الْعَمُودِ الَّذِي عِنْدَ مَشْهَدِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ فَتَرَكَهُ أَهْلُهَا وَنَفَاهُ مُتَوَلِّيهَا إِلَى غَوْرِ زُغَرَ فَمَاتَ بها، ونقل إلى بيت المقدس. مات فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: تُوُفِّيَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلًا وَدُفِنَ بِبَابِ أَرِيحَا عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلَهُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنَ الْأَصْحَابِ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>