فَأَمَرَ بِتَخْرِيبِهِ وَمَا حَوْلَهُ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، ثم لازم الحصار فما زال حَتَّى فَتَحَ الْمَدِينَةَ الْغَرْبِيَّةَ وَخَرَّبَ قُصُورَ صَاحِبِ الزنج ودور أمرائه، وأخذ من أموالهم شيئا كثيرا مما لا يجد ولا يوصف كثرة، وأسر مِنْ نِسَاءِ الزَّنْجِ وَاسْتَنْقَذَ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وصبيانهم خلقا كثيرا، فأمر بردهم إلى أهاليهم مُكَرَّمِينَ وَقَدْ تَحَوَّلَ صَاحِبُ الزَّنْجِ إِلَى الْجَانِبِ الشرقي وعمل الجسر والقناطر الحائلة بينه وبين وصول السمريات إِلَيْهِ، فَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ بِتَخْرِيبِهَا وَقَطْعِ الْجُسُورِ، وَاسْتَمَرَّ الحصار باقي هَذِهِ السَّنَةِ وَمَا بَرِحَ حَتَّى تَسَلَّمَ الْجَانِبَ الشَّرْقِيَّ أَيْضًا وَاسْتَحْوَذَ عَلَى حَوَاصِلِهِ وَأَمْوَالِهِ، وَفَرَّ الخبيث هاربا غير آئب، وخرج منها هَارِبًا وَتَرَكَ حَلَائِلَهُ وَأَوْلَادَهُ وَحَوَاصِلَهُ، فَأَخَذَهَا الْمُوَفَّقُ وشرح ذلك يَطُولُ جِدًّا. وَقَدْ حَرَّرَهُ مَبْسُوطًا ابْنُ جَرِيرٍ ولخصه ابن الأثير واختصره ابن كثير والله أعلم وهو الموفق إلى الصواب وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
وَفِيهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِمَكَّةَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْمُوَفَّقِ وَأَصْحَابِ ابْنِ طُولُونَ، فَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ طُولُونَ مِائَتَانِ وَهَرَبَ بَقِيَّتُهُمْ، واسْتَلَبَهُمْ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ شَيْئًا كَثِيرًا. وفيها قطع الأعراب على الحجيج الطريق وأخذ منهم خمسة آلاف بعير بأحمالها وفيها توفى إبراهيم بن منقذ الكناني. وأحمد بن خلاد مَوْلَى الْمُعْتَصِمِ- وَكَانَ مِنْ دُعَاةِ الْمُعْتَزِلَةِ أَخَذَ الكلام عن جعفر بن معشر الْمُعْتَزِلِيِّ- وَسُلَيْمَانُ بْنِ حَفْصٍ الْمُعْتَزِلِيُّ صَاحِبُ بِشْرٍ المريسي، وأبى الهذيل العلاف. وعيسى بن الشيخ بن السَّلِيلِ الشَّيْبَانِيُّ نَائِبُ أَرْمِينِيَّةَ وَدِيَارِ بَكْرٍ. وَأَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرًّهَاوِيُّ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ.