للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ابن عمه أسره كما ذكرنا وقتله سَرِيعًا، فَكَانَتْ مُدَّةُ حَيَّاتِهِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، ومدة دولته منها إحدى وعشرين سنة وشهور، وهو الّذي أظهر الرفض ببغداد وجرى بسبب ذلك شرور كما تقدم.

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي الْمَعْرُوفُ بِابْنِ قُرَيْعَةَ، وَلِيُّ الْقَضَاءِ بِالسِّنْدِيَّةِ، وَكَانَ فَصِيحًا يَأْتِي بِالْكَلَامِ الْمَسْجُوعِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ ولا تردد، وكان جميل المعاشرة ومن شعره:

لي حيلة في من ينمم ... وَلَيْسَ فِي الُكَذَّابِ حِيلَهْ

مَنْ كَانَ يَخْلُقُ ما يقول ... فَحِيلَتِي فِيهِ قَلِيلَهْ

وَكَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ مِنْ أصحابه إذا تماشيا: إذا تقدمت بين يديك فانى حاجب وإن تأخرت فواجب.

توفى يوم السبب لعشر بقين من جمادى الآخرة منها.

[ثم دخلت سنة ثمان وستين وثلاثمائة]

فِي شَعْبَانَ مِنْهَا أَمَرَ الطَّائِعُ للَّه أَنْ يُدْعَى لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ بَعْدَ الْخَلِيفَةِ عَلَى الْمَنَابِرِ بِبَغْدَادَ، وَأَنْ تُضْرَبَ الدَّبَادِبُ عَلَى بَابِهِ وَقْتَ الفجر وبعد المغرب والعشاء. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَتَّفِقْ لِغَيْرِهِ مِنْ بَنِي بُوَيْهِ، وَقَدْ كَانَ مُعِزُّ الدولة سأل من الخليفة أن يضرب الدبادب على بابه فلم يأذن له، وقد افتتح عز الدَّوْلَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهُوَ مُقِيمٌ بِالْمَوْصِلِ أَكْثَرَ بِلَادِ أَبِي تَغْلِبَ بْنِ حَمْدَانَ، كَآمِدَ والرحبة وغيرهما، ثم دخل بغداد في سلخ ذي القعدة فتلقاه الخليفة والأعيان إلى أثناء الطريق.

[ذكر ملك قسام التراب لدمشق فيها]

لما ذهب الفتكين إِلَى دِيَارِ مِصْرَ نَهَضَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ دمشق يقال له قسام التراب، كان الفتكين يقربه ويدنيه، ويأمنه عَلَى أَسْرَارِهِ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَى دِمَشْقَ وَطَاوَعَهُ أَهْلُهَا وَقَصَدَتْهُ عَسَاكِرُ الْعَزِيزِ مِنْ مِصْرَ فَحَاصَرُوهُ فَلَمْ يتمكنوا منه، وَجَاءَ أَبُو تَغْلِبَ بْنُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حمدان فحاصره فلم يقدر أَنْ يَدْخُلَ دِمَشْقَ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ خَائِبًا إِلَى طَبَرِيَّةَ، فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي عُقَيْلٍ وَغَيْرِهِمْ من العرب حروب طويلة، آل الْحَالُ إِلَى أَنْ قَتُلِ أَبُو تَغْلِبَ وَكَانَتْ معه أخته وجميلة امرأته وهي بنت سَيْفِ الدَّوْلَةِ، فَرُدَّتَا إِلَى سَعْدِ الدَّوْلَةِ بْنِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بِحَلَبَ، فَأَخَذَ أُخْتَهُ وَبَعَثَ بِجَمِيلَةَ إِلَى بَغْدَادَ فَحُبِسَتْ فِي دَارٍ وَأُخِذَ مِنْهَا أموال جزيله. وأما قسام التراب هذا- وهو مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ مِنَ الْيَمَنِ- فإنه أقام بالشام فسد خللها وقام بِمَصَالِحِهَا مُدَّةَ سِنِينَ عَدِيدَةٍ، وَكَانَ مَجْلِسُهُ بِالْجَامِعِ يجتمع الناس إليه فيأمرهم وينهاهم فيمتثلون ما يأمر بِهِ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةِ تلفيتا، وكان ترابا. قلت والعامة يسمونه قُسَيْمٌ الزَّبَّالُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَسَّامٌ، وَلَمْ يَكُنْ زَبَّالًا بَلْ تَرَّابًا مِنْ قَرْيَةِ تَلْفِيتَا بِالْقُرْبِ مِنْ قَرْيَةِ مَنِينَ، وَكَانَ بُدُوَّ أَمْرِهِ أَنَّهُ انتمى إلى رجل من أحداث أهل دمشق يقال له أحمد بن المسطان، فكان من

<<  <  ج: ص:  >  >>