للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَشَّرْتُ آمَالِي بِمَلْكٍ هُوَ الْوَرَى ... وَدَارٍ هِيَ الدنيا ويوم هو الدهر

وَقَالَ الْمُتَنَبِّي أَيْضًا:

هِيَ الْغَرَضُ الْأَقْصَى وَرُؤْيَتُكَ المنى ... ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق

قال وقال أبو بكر أحمد الأرجاني فِي قَصِيدَةٍ لَهُ بَيْتًا فَلَمْ يَلْحَقِ السَّلَامِيَّ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ:

لَقِيتُهُ فَرَأَيْتُ النَّاسَ فِي رَجُلٍ ... وَالدَّهْرَ فِي سَاعَةٍ وَالْأَرْضَ فِي دَارِ

قال: وكتب إليه افتكين مولى أخيه يستمده بجيش إلى دمشق يُقَاتِلُ بِهِ الْفَاطِمِيِّينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَضُدُ الدَّوْلَةِ «غرّك عزّك فصار قصاراك ذُلَّكَ، فَاخْشَ فَاحِشَ فِعْلِكَ، فِعَلَّكَ بِهَذَا تُهْدَا» . قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلَقَدْ أَبْدَعَ فِيهَا كُلَّ الْإِبْدَاعِ، وَقَدْ جَرَى لَهُ مِنَ التَّعْظِيمِ مِنَ الخليفة ما لم يقع لغيره قبله، وقد اجْتَهَدَ فِي عِمَارَةِ بَغْدَادَ وَالطُّرُقَاتِ، وَأَجْرَى النَّفَقَاتِ على المساكين والمحاويج، وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ وَبَنَى الْمَارَسْتَانَ الْعَضُدِيَّ وَأَدَارَ السُّورَ على مدينة الرسول، فعل ذلك مدة ملكه على العراق، وهي خمسة سِنِينَ، وَقَدْ كَانَ عَاقِلًا فَاضِلًا حَسَنَ السِّيَاسَةِ شَدِيدَ الْهَيْبَةِ بَعِيدَ الْهِمَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يتجاوز في سياسة الْأُمُورَ الشَّرْعِيَّةَ، كَانَ يُحِبُّ جَارِيَةً فَأَلْهَتْهُ عَنْ تَدْبِيرِ الْمَمْلَكَةِ، فَأَمَرَ بِتَغْرِيقِهَا. وَبَلَغَهُ أَنَّ غُلَامًا لَهُ أَخَذَ لِرَجُلٍ بِطِّيخَةً فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُ نصفين، وهذه مبالغة. وكان سبب موته الصرع.

وحين أخذ في عِلَّةُ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلَامٌ سِوَى تِلَاوَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى (مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) ٦٩: ٢٨- ٢٩ فكان هذا هجيراه حتى مات. وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعِلْمَ وَالْفَضِيلَةَ، وَكَانَ يُقْرَأُ عِنْدَهُ كِتَابُ إِقْلِيدِسَ وَكِتَابُ النَّحْوِ لِأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَهُوَ الْإِيضَاحُ وَالتَّكْمِلَةُ الّذي صنفه له.

وَقَدْ خَرَجَ مَرَّةً إِلَى بُسْتَانٍ لَهُ فَقَالَ أَوَدُّ لَوْ جَاءَ الْمَطَرُ، فَنَزَلَ الْمَطَرُ فَأَنْشَأَ يقول:

ليس شرب الراح إِلَّا فِي الْمَطَرْ ... وَغِنَاءٌ مِنْ جِوَارٍ فِي السحر

غانيات سالبات للنهى ... ناعمات فِي تَضَاعِيفِ الْوَتَرْ

رَاقِصَاتٍ زَاهِرَاتٍ نُجَّلٍ ... رَافِلَاتٍ في أفانين الحبر

مطربات غنجات لحن ... رافضات الهم أمال الفكر

مبرزات الكاس من مطلعها ... مُسَقَّيَاتِ الْخَمْرِ مَنْ فَاقَ الْبَشَرْ

عَضُدُ الدَّوْلَةِ وَابْنُ رُكْنِهَا ... مَالِكُ الْأَمْلَاكِ غَلَّابُ الْقَدَرْ

[١]

سَهَّلَ الله إليه نصره ... في ملوك الأرض ما دام القمر

وأراه الخير في أولاده ... ولباس الملك فيهم بالغرر

قبحه الله وقبح شعره وقبح أولاده، فإنه قد اجترأ في أبياته هذه فلم يفلح بعدها، فيقال: إنه حين أنشد قوله غلاب القدر، أخذه الله فأهلكه، ويقال: إن هذه الأبيات إنما أنشدت بين يديه


[١] بهامش الأصل: كذب القائل في لحنته. وكذا في شعره أيضا كفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>