للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الشَّاعِرِ بِهَذِهِ السَّنَةِ، وَوَفَاةَ الْإِصْطَخْرِيِّ بِمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ جَمَعَ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ أَشْعَارَهُ الْجَيِّدَةَ عَلَى حِدَةٍ فِي دِيوَانٍ مُفْرَدٍ وَرَثَاهُ حِينَ تُوُفِّيَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ:

عَبْدُ الْعَزِيزِ بن أحمد بن الحسن الجزري

القاضي بالحرم وَحَرِيمِ دَارِ الْخِلَافَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِهَاتِ، كان ظاهريا على مذهب داود، وكان لطيفا، تَحَاكَمَ إِلَيْهِ وَكِيلَانِ فَبَكَى أَحَدُهُمَا فِي أَثْنَاءِ الْخُصُومَةِ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: أَرِنِي وِكَالَتَكَ، فَنَاوَلَهُ فَقَرَأَهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَمْ يَجْعَلْ إِلَيْكَ أَنْ تَبْكِيَ عَنْهُ. فَاسْتَضْحَكَ النَّاسَ وَنَهَضَ الْوَكِيلُ خَجِلًا.

عِيسَى بْنُ الْوَزِيرِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى

ابن دَاوُدَ بْنِ الْجَرَّاحِ، أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغْدَادِيُّ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ كِبَارِ الْوُزَرَاءِ، وَكَتَبَ هُوَ لِلطَّائِعِ أَيْضًا، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ صَحِيحَ السَّمَاعِ كَثِيرَ الْعُلُومِ، وَكَانَ عَارِفًا بِالْمَنْطِقِ وَعِلْمِ الْأَوَائِلِ فانتهموه بِشَيْءٍ مِنْ مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ، وَمِنْ جَيِّدِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:

رُبَّ مَيِّتٍ قَدْ صَارَ بِالْعِلْمِ حَيًّا ... وَمُبَقًّى قَدْ مَاتَ جَهْلًا وَغَيًّا

فَاقْتَنُوا الْعِلْمَ كَيْ تَنَالُوا خُلُودًا ... لَا تَعُدُّوا الْحَيَاةَ فِي الجهل شيئا

ولد فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِبَغْدَادَ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وثلاثمائة

في محرمها غَزَا يَمِينُ الدَّوْلَةِ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ بِلَادَ الهند فقصده ملكها جِيبَالُ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ففتح الله على المسلمين، وانهزمت الهنود، وأسر ملكهم جيبال، وأخذوا مِنْ عُنُقِهِ قِلَادَةٌ قِيمَتُهَا ثَمَانُونَ [١] أَلْفَ دِينَارٍ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ أَمْوَالًا عَظِيمَةً، وَفَتَحُوا بِلَادًا كثيرة، ثم إن محمودا سلطان المسلمين أطلق مَلِكَ الْهِنْدِ احْتِقَارًا لَهُ وَاسْتِهَانَةً بِهِ، لِيَرَاهُ أهل مملكته والناس في المذلة فحين وصل جيبال إِلَى بِلَادِهِ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاحْتَرَقَ، لَعَنَهُ اللَّهُ. وفي ربيع الأول مِنْهَا ثَارَتِ الْعَوَامُّ عَلَى النَّصَارَى بِبَغْدَادَ فَنَهَبُوا كنيستهم التي بقطيعة الدقيق وَأَحْرَقُوهَا، فَسَقَطَتْ عَلَى خَلْقٍ فَمَاتُوا، وَفِيهِمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ. وَفِي رَمَضَانَ منها قوى أمر العيارين وكثرت العملات ونهبت بغداد وَانْتَشَرَتِ الْفِتْنَةُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي لَيْلَةِ الإثنين منها ثالث الْقَعْدَةِ انْقَضَّ كَوْكَبٌ أَضَاءَ كَضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ التَّمَامِ، وَمَضَى الشُّعَاعُ وَبَقِيَ جِرْمُهُ يَتَمَوَّجُ نَحْوَ ذراعين في ذراعين في رأى الْعَيْنِ ثُمَّ تَوَارَى بَعْدَ سَاعَةٍ. وَفِي هَذَا الشَّهْرِ قَدِمَ الْحُجَّاجُ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى بَغْدَادَ ليسيروا إلى الحجاز فبلغهم عيث الأعراب في الأرض بالفساد، وأنه لا ناصر لهم ولا ناظر ينظر في أمرهم، فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَلَمْ يَحُجَّ مِنْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ أَحَدٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَفِي يَوْمِ عرفة منها ولد لبهاء


[١] قال ابن الأثير: قوموها بمائتي ألف دينار.

<<  <  ج: ص:  >  >>