للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي ذَلِكَ يَتْلُو قَوْلِهِ تَعَالَى (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ٣: ٢٦ ثم لما فرغوا من التطواف به جيء به إِلَى الْمُعَسْكَرِ فَأُلْبِسَ جِلْدَ ثَوْرٍ بِقَرْنَيْهِ، وَعُلِّقَ بكلوب في شدقيه، ورفع إلى الخشبة، فَجَعَلَ يَضْطَرِبُ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ أَنْ قَالَ: الْحَمْدُ للَّه الّذي أحيانى سعيدا، وأماتنى شهيدا.

وفيها وَقَعَ بَرَدٌ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ أَهْلَكَ كَثِيرًا مِنَ الْغَلَّاتِ، وَقُتِلَ بَعْضُ الْفَلَّاحِينَ، وَزَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً كثيرة، وزلزلت بغداد في هذه السنة قَبْلَ الْفِتْنَةِ بِشَهْرٍ زِلْزَالًا شَدِيدًا، فَتَهَدَّمَتْ دُورٌ كثيرة، ووردت الأخبار أن هذه الزلزلة اتصلت بهمذان وواسط، وتكريت، وعانة، وذكر أن الطواحين وقفت من شدتها. وفيها كَثُرَ النَّهْبُ بِبَغْدَادَ حَتَّى كَانَتِ الْعَمَائِمُ تُخْطَفُ عن الرءوس، وخطفت عمامة الشيخ أبى نصر الطباع، وطيلسانه وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة.

وفي أواخر السَّنَةِ خَرَجَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَكُ مِنْ هَمَذَانَ فَقَاتَلَ أخاه وانتصر عليه، ففرح الناس وتباشروا بذلك، وَلَمْ يُظْهِرُوا ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَاسْتَنْجَدَ طُغْرُلْبَكُ بِأَوْلَادِ أَخِيهِ دَاوُدَ- وَكَانَ قَدْ مَاتَ- على أخيه إبراهيم فغلبوه وأسروه فِي أَوَائِلِ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى عَمِّهِمْ طُغْرُلْبَكَ، فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ الْعِرَاقِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي السَّنَةِ الآتية إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ.

الحسن بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَنِّيُّ

الْفَرَضِيُّ، وهو شيخ الحربي، وكان شافعيّ المذهب، قتل في بغداد فِي فِتْنَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَدُفِنِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يوم عرفة منها.

[داود أخو طغرلبك]

وكان الأكبر منهم، توفى فيها وقام أولاده مقامه.

[أبو الطيب الطبري]

الفقيه، شيخ الشافعية، طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ عمر، وُلِدَ بِآمُلَ طَبَرِسْتَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، سمع الحديث بِجُرْجَانَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيِّ، وَبِنَيْسَابُورَ مِنْ أبى الحسن الماسرجسي، وعليه درس الفقه أيضا وعلى أَبِي عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيِّ، وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ كَجٍّ، ثم اشتغل ببغداد على أبى حامد الأسفراييني، وشرح المختصر وفروع ابْنِ الْحَدَّادِ، وَصَنَّفَ فِي الْأُصُولِ وَالْجَدَلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ النَّافِعَةِ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ من الدار قطنى وَغَيْرِهِ، وَوَلِيَ الْقَضَاءَ بِرَبْعِ الْكَرْخِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيِّ، وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا ورعا، عالما بأصول الفقه وفروعه، حسن الخلق سَلِيمَ الصَّدْرِ مُوَاظِبًا عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ لَيْلًا ونهارا. وقد ترجمته في طبقات الشافعية، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ عَنْهُ- وَكَانَ شيخه، وقد أجلسه بعده في الحلقة- أن أبا الطيب أسلم خفا له- وكان متقللا من الدنيا فقيرا- عِنْدَ خَفَّافٍ لِيُصْلِحَهُ لَهُ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَهُ فَغَمَسَهُ فِي الْمَاءِ وقال: أيها الشيخ الساعة

<<  <  ج: ص:  >  >>