للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلحه، فقال الشيخ: أسلمته لِتُصْلِحَهُ وَلَمْ أُسْلِمْهُ لِتُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ. وَحَكَى ابْنُ خلكان أنه كان له ولأخيه عمامة واحدة، وقميص واحد، إِذَا لَبِسَهُمَا هَذَا جَلَسَ الْآخَرُ فِي الْبَيْتِ لا يخرج منه، وإذا لبسهما هذا احتاج الآخر أن يقعد في البيت ولا يخرج منه، وإذا غسلاهما جلسا في البيت إلى أن ييبسا وقد قال في ذلك أَبُو الطَّيِّبِ:

قَوْمٌ إِذَا غَسَلُوا ثِيَابَ جَمَالِهِمْ ... لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل

وقد تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ، وَهُوَ صَحِيحُ الْعَقْلِ، وَالْفَهْمِ، وَالْأَعْضَاءِ، يُفْتِي ويشتغل إلى أن مات، وقد ركب مرة سفينة فلما خرج منها قفز قفزة لا يستطيعها الشباب فقيل له:

ما هذا يا أبا الطيب؟ فقال: هذه أعضاء حفظناها في الشبيبة تنفعنا في الكبر رحمه الله.

[القاضي الماوردي]

صاحب الحاوي الكبير، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، أَبُو الْحَسَنِ الماوردي البصري، شيخ الشافعية، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالتَّفْسِيرِ والأحكام السلطانية، وأدب الدُّنْيَا وَالدِّينِ. قَالَ: بَسَطْتُ الْفِقْهَ فِي أَرْبَعَةِ آلاف وَرَقَةً، يَعْنِي الْإِقْنَاعَ. وَقَدْ وَلِيَ الْحُكْمَ فِي بِلَادٍ كَثِيرَةٍ، وَكَانَ حَلِيمًا وَقُورًا أَدِيبًا، لَمْ يَرَ أَصْحَابُهُ ذِرَاعَهُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ مِنْ شِدَّةِ تَحَرُّزِهِ وَأَدَبِهِ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ تَرْجَمَتَهُ فِي الطبقات، توفى عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ.

رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمُسْلِمَةِ

عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمر، وَزِيرُ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، كَانَ أَوَّلًا قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْفَرَضِيِّ وَغَيْرِهِ، ثم صار أحد المعدلين، ثم استكتبه الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَاسْتَوْزَرَهُ، وَلَقَّبَهُ رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ، شرف الوزراء، جمال الوزراء، كَانَ مُتَضَلِّعًا بِعُلُومٍ كَثِيرَةٍ مَعَ سَدَادِ رَأْيٍ، وَوُفُورِ عَقْلٍ، وَقَدْ مَكَثَ فِي الْوِزَارَةِ ثِنْتَيْ عشرة سنة وشهرا، ثم قتله البساسيري بعد ما شهره كما تقدم، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ ثِنْتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَخَمْسَةُ أشهر.

مَنْصُورُ بْنُ الْحُسَيْنِ

أَبُو الْفَوَارِسِ الْأَسَدِيُّ، صَاحِبُ الجزيرة، توفى فيها وأقاموا ولده بعده.

[ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وأربعمائة]

استهلت هذه السنة وبغداد في حكم البساسيري، يخطب فيها لصاحب مصر الفاطمي، والخليفة العباسي بِحَدِيثَةِ عَانَةَ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثانى عشر صفر أحضر الْقُضَاةِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الدَّامَغَانِيَّ وَجَمَاعَةً مِنَ الوجوه والأعيان والأشراف، وأخذ عليهم البيعة لصاحب مصر المستنصر الْفَاطِمِيِّ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْخِلَافَةِ وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ معه وأمر بنقض تاج دار الخلافة، فنقض بَعْضُ الشَّرَارِيفِ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>