للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ بِأَنِّي لَسْتُ أَهْلًا لِلرِّوَايَةِ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُرْبَطَ فِي قِطَارِ نَقَلَةِ حَدِيثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أيضا: رأيت ليلة فِي الْمَنَامِ إِبْلِيسَ فَقُلْتُ لَهُ: وَيْحَكَ خَلَقَكَ اللَّهُ وَأَمَرَكَ بِالسُّجُودِ لَهُ مُشَافَهَةً فَأَبَيْتَ، وَأَنَا لَمْ يَأْمُرْنِي بِالسُّجُودِ لَهُ مُشَافَهَةً وَأَنَا أَسْجُدُ له في كل يوم مرات، وأنشأ يَقُولُ:

مَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوِصَالِ أَهْلًا ... فَكُلُّ إِحْسَانِهِ ذُنُوبُ

وَقَدْ أَجْلَسَهُ الْمُقْتَدِي مَرَّةً بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا حَسَنُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ بِرِضَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْكَ، وَقَدْ مَلَكَ أُلُوفًا مِنَ التُّرْكِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ كَثِيرَةٌ، وَزَرَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ، وَزَرَ ابْنُهُ أَحْمَدُ لِلسُّلْطَانِ محمد بن ملك شاه، ولأمير المؤمنين المسترشد باللَّه، وخرج نِظَامُ الْمُلْكِ مَعَ السُّلْطَانِ مِنْ أَصْبَهَانَ قَاصِدًا بَغْدَادَ فِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ اجْتَازَ فِي بَعْضِ طَرِيقِهِ بِقَرْيَةٍ بِالْقُرْبِ مِنْ نَهَاوَنْدَ، وَهُوَ يُسَايِرُهُ فِي مِحَفَّةٍ، فَقَالَ:

قَدْ قُتِلَ هَاهُنَا خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ زَمَنَ عُمَرَ، فَطُوبَى لِمَنْ يَكُونُ عِنْدَهُمْ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ لَمَّا أَفْطَرَ جَاءَهُ صَبِيٌّ فِي هَيْئَةِ مُسْتَغِيثٍ بِهِ وَمَعَهُ قِصَّةٌ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ ضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فِي فُؤَادِهِ وَهَرَبَ، وعثر بِطُنُبِ الْخَيْمَةِ فَأُخِذَ فَقُتِلَ، وَمَكَثَ الْوَزِيرُ سَاعَةً، وَجَاءَهُ السُّلْطَانُ يَعُودُهُ فَمَاتَ وَهُوَ عِنْدَهُ، وَقَدِ اتُّهِمَ السُّلْطَانُ فِي أَمْرِهِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي مَالَأَ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ بَعْدَهُ سِوَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ لأولى الألباب. وكان قد عزم على إخراج الخليفة أيضا من بغداد، فما تم له ما عزم عليه، وَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ بَغْدَادَ مَوْتُ النِّظَامِ حَزِنُوا عَلَيْهِ، وَجَلَسَ الْوَزِيرُ وَالرُّؤَسَاءُ لِلْعَزَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ورثاه الشعراء بقصائد، مِنْهُمْ مُقَاتِلُ بْنُ عَطِيَّةَ فَقَالَ:

كَانَ الْوَزِيرُ نِظَامُ الْمُلْكِ لُؤْلُؤَةً ... يَتِيمَةً صَاغَهَا الرَّحْمَنُ مِنْ شَرَفِ

عَزَّتْ فَلَمْ تَعْرِفِ الْأَيَّامُ قِيمَتَهَا ... فَرَدَّهَا غيرة منه إلى الصدف

وأثنى عليه غير واحد حتى ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا رَحِمَهُ اللَّهُ.

[عبد الباقي بن محمد بن الحسين]

ابن داود بن ياقيا، أبو القاسم الشاعر، من أهل الحريم الظاهري، ولد سنة عشر وأربعمائة، وكان ماهرا، وقد رماه بعضهم باعتقاد الأوائل، وأنكر أن يكون في السماء نهر من ماء أو نهر من لبن، أو نهر من خمر، أو نهر من عسل، يعنى في الجنة، وما سقط مِنْ ذَلِكَ قَطْرَةٌ إِلَى الْأَرْضِ إِلَّا هَذَا الّذي هو يخرب البيوت ويهدم الحيطان والسقوف، وهذا الكلام كفر من قائله، نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظَمِ، وَحُكِيَ بعضهم أنه وجد في كفنه مَكْتُوبًا حِينَ مَاتَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ.

نَزَلْتُ بِجَارٍ لَا يُخَيِّبُ ضَيْفَهُ ... أُرَجِّي نَجَاتِي مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمِ

وَإِنِّي عَلَى خَوْفِي مِنَ اللَّهِ وَاثِقٌ ... بِإِنْعَامِهِ وَاللَّهُ أَكْرَمُ مُنْعِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>