للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْخَنَا عَبْدَ الْوَهَّابِ يَطْعَنُ فِي دِينِهِ وَيَقُولُ: المعلم يَحْتَاجُ إِلَى دِينٍ. وَقُتِلَ فِي خُوزِسْتَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ. كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ] [١] .

ثُمَّ دَخَلَتْ سنة سبع وثمانين وأربعمائة

فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِي وَخِلَافَةُ وَلَدِهِ الْمُسْتَظْهِرِ باللَّه.

صِفَةُ مَوْتِهِ

لَمَّا قَدِمَ السُّلْطَانُ بركيارق بَغْدَادَ، سَأَلَ مِنَ الْخَلِيفَةِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِالسَّلْطَنَةِ كِتَابًا فِيهِ الْعَهْدُ إِلَيْهِ فَكَتَبَ ذَلِكَ، وَهُيِّئَتِ الْخِلَعُ وَعُرِضَتْ عَلَى الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ الْكِتَابُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ قُدِّمَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ وجلس ينظر في العهد بعد ما وَقَّعَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ قَهْرَمَانَةٌ تُسَمَّى شَمْسَ النَّهَارِ، قَالَتْ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصُ الَّذِينَ قَدْ دَخَلُوا عَلَيْنَا بِغَيْرِ إِذْنٍ؟ قَالَتْ: فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، وَرَأَيْتُهُ قَدْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ وَاسْتَرْخَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَانْحَلَّتْ قُوَاهُ، وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ قَالَتْ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَحَلَلْتُ أَزْرَارَ ثِيَابِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يُجِيبُ دَاعِيًا، فَأَغْلَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ وَخَرَجْتُ فَأَعْلَمْتُ وَلِيَّ الْعَهْدِ بِذَلِكَ، وَجَاءَ الْأُمَرَاءُ وَرُءُوسُ الدَّوْلَةِ يُعَزُّونَهُ بأبيه، ويهنئونه بالخلافة، فبايعوه.

ذكر شَيْءٌ مِنْ تَرْجَمَةِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ

هُوَ أمير المؤمنين المقتدى باللَّه، أبو عبد الله بن الذخيرة، الأمير ولى العهد أبى العباس أحمد، ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، بْنِ الْقَادِرِ باللَّه الْعَبَّاسِيِّ، أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ اسْمُهَا أُرْجُوَانُ أَرْمِنِيَّةٌ، أَدْرَكَتْ خِلَافَةَ وَلَدِهَا وَخِلَافَةَ وَلَدِهِ المستظهر وولد ولده المسترشد أيضا، وكان المقتدى أبيض حُلْوَ الشَّمَائِلِ، عَمَرَتْ فِي أَيَّامِهِ مَحَالٌّ كَثِيرَةٌ من بغداد، ونفى عن بغداد الْمُغَنِّيَاتِ وَأَرْبَابَ الْمَلَاهِي وَالْمَعَاصِي، وَكَانَ غَيُورًا عَلَى حَرِيمِ النَّاسِ، آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ نَاهِيًا عَنِ الْمُنْكَرِ، حسن السيرة، رحمه الله، توفى يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَابِعَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وثمان شُهُورٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ، خِلَافَتُهُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَ عشرة سنة وثمان شُهُورٍ إِلَّا يَوْمَيْنِ، وَأُخْفِيَ مَوْتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى تَوَطَّدَتِ الْبَيْعَةُ لِابْنِهِ الْمُسْتَظْهِرِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي تُرْبَتِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

خِلَافَةُ المستظهر بأمر الله أبى العباس

لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَحْضَرُوهُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَهْرَانِ، فَبُويِعَ بالخلافة، وأول مَنْ بَايَعَهُ الْوَزِيرُ أَبُو مَنْصُورٍ ابْنُ جَهِيرٍ، ثم أخذ البيعة له من الملك ركن الدولة بركيارق بن ملك شاه ثم من بقية الأمراء والرؤساء، وتمت البيعة تؤخذ له إلى ثلاثة أيام، ثم أظهر التابوت يوم


[١] زيادة من المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>