للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من مقدمي الديار المصرية والدولة الفاطمية، كان قد استند إلى بلد يقال له أَسْوَانَ، وَجَعَلَ يَجْمَعُ عَلَيْهِ النَّاسَ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ خلق كثير من الرعاع من الحاضرة والغربان والرعيان، وكان يزعم إليهم أَنَّهُ سَيُعِيدُ الدَّوْلَةَ الْفَاطِمِيَّةَ، وَيَدْحَضُ الْأَتَابِكَةَ التُّرْكِيَّةَ، فالتف عليه خلق كثير، ثم قصدوا قُوصَ وَأَعْمَالَهَا، وَقَتَلَ طَائِفَةً مِنْ أُمَرَائِهَا وَرِجَالِهَا، فجرد إليه صلاح الدين طائفة من الجيش وأمر عليهم أخاه الملك العادل أَبَا بَكْرٍ الْكُرْدِيَّ، فَلَمَّا الْتَقَيَا هَزَمَهُ أَبُو بكر وأسر أهله وقتله.

[فصل]

فلما تمهدت البلاد ولم يبق بها رأس من الدَّوْلَةِ الْعُبَيْدِيَّةِ، بَرَزَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ فِي الْجُيُوشِ التُّرْكِيَّةِ قَاصِدًا الْبِلَادَ الشَّامِيَّةَ، وَذَلِكَ حِينَ مَاتَ سُلْطَانُهَا نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِيِّ وَأُخِيفَ سُكَّانُهَا وَتَضَعْضَعَتْ أَرْكَانُهَا، واختلف حكامها، وفسد نقضها وإبرامها، وقصده جَمْعُ شَمْلِهَا وَالْإِحْسَانُ إِلَى أَهْلِهَا، وَأَمْنُ سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا، وَنُصْرَةُ الْإِسْلَامِ وَدَفْعُ الطَّغَامِ وَإِظْهَارُ الْقُرَآنِ وإخفاء سائر الأديان، وتكسير الصلبان في رضى الرحمن، وإرغام الشيطان. فنزل الْبِرْكَةِ فِي مُسْتَهَلِّ صَفَرٍ وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى اجتمع عليه العسكر واستناب على مصر أخاه أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ سَارَ إِلَى بِلْبِيسَ فِي الثالث عشر من ربيع الأول، فَدَخَلَ مَدِينَةَ دِمَشْقَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَلْخَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَنْتَطِحْ فِيهَا عَنْزَانِ، وَلَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ سَيْفَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَائِبَهَا شَمْسَ الدِّينِ بْنَ مُقَدَّمٍ كَانَ قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَوَّلًا فَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْكِتَابِ، فَلَمَّا رَأَى أَمْرَهُ مُتَوَجِّهًا جَعَلَ يُكَاتِبُهُ وَيَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْقُدُومِ إِلَى دِمَشْقَ، وَيَعِدُهُ بِتَسْلِيمِ الْبَلَدِ، فَلَمَّا رَأَى الْجِدَّ لَمْ يُمْكِنْهُ الْمُخَالَفَةُ، فَسَلَّمَ الْبَلَدَ إِلَيْهِ بِلَا مُدَافَعَةٍ، فَنَزَلَ السُّلْطَانُ أَوَّلًا فِي دَارِ والده دار العقيلي التي بناها الملك الظاهر بيبرس مدرسة، وجاء أعيان البلد للسلام عليه فرأوا منه غاية الإحسان، وكان نائب القلعة إذ ذاك الطواشى ريحان، فكاتبه وأجزل نواله حتى سلمها إليه، ثم نزل إليه فأكرمه واحترمه، ثم أظهر السلطان أَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِتَرْبِيَةِ وَلَدِ نُورِ الدِّينِ، لِمَا لِنُورِ الدِّينِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِحْسَانِ الْمَتِينِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ خَطَبَ لِنُورِ الدِّينِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، ثم إن السلطان عَامَلَ النَّاسَ بِالْإِحْسَانِ وَأَمَرَ بِإِبْطَالِ مَا أُحْدِثَ بعد نور الدين من المكوس والضرائب، وَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وللَّه عَاقِبَةُ الْأُمُورِ.

فَصْلٌ

فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ لَهُ دِمَشْقُ بِحَذَافِيرِهَا نَهَضَ إِلَى حَلَبَ مُسْرِعًا لِمَا فِيهَا مِنَ التَّخْبِيطِ وَالتَّخْلِيطِ، وَاسْتَنَابَ عَلَى دِمَشْقَ أَخَاهُ طُغْتِكِينَ بْنَ أَيُّوبَ الْمُلَقَّبَ بِسَيْفِ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا اجْتَازَ حمص أخذ ربضها

<<  <  ج: ص:  >  >>