للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كتاب كتبه القاضي الفاضل إلى بغداد في خراب هذا الحصن. وقد قيس عرض حائطه فزاد عَلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَقُطِعَتْ لَهُ عِظَامُ الْحِجَارَةِ كل فص منها سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، إِلَى مَا فَوْقَهَا وَمَا دُونَهَا، وَعِدَّتُهَا تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ حَجَرٍ، لَا يستقر الحجر فِي بُنْيَانِهِ إِلَّا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمَا فَوْقَهَا، وَفِيمَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ حَشْوٌ مِنَ الْحِجَارَةِ الضَّخْمَةِ الصم، أتوا بها من رءوس الجبال الشم، وقد جعلت شعبيته بالكلس الّذي إذا أحاطت بالحجر مازجه بمثل جسمه، ولا يستطيع الحديد أن يتعرض إلى هدمه. وفيها أقطع صلاح الدين ابن أخيه عز الدين فروخ شاه بعلبكّ. وأغار فيها على صفت وأعمالها، فقتل طائفة كبيرة من مقاتليها، وكان فروخ شاه من الصناديد الأبطال.

وَفِيهَا حَجَّ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ دِمَشْقَ وَعَادَ إِلَى مِصْرَ فَقَاسَى فِي الطَّرِيقِ أَهْوَالًا، وَلَقِيَ ترحا وَتَعَبًا وَكَلَالًا، وَكَانَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي قَدْ حج من مصر وعاد إلى الشام، وكان ذلك العام في حقه أَسْهَلَ مِنْ هَذَا الْعَامِ. وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ انْهَدَمَ بِسَبَبِهَا قِلَاعٌ وَقُرًى، وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِيهَا مِنَ الْوَرَى، وَسَقَطَ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ صُخُورٌ كِبَارٌ، وَصَادَمَتْ بَيْنَ الْجِبَالِ فِي الْبَرَارِي وَالْقِفَارِ، مَعَ بُعْدِ مَا بَيْنَ الْجِبَالِ مِنَ الْأَقْطَارِ. وَفِيهَا أَصَابَ النَّاسَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ وَفَنَاءٌ شَرِيدٌ وَجُهْدٌ جَهِيدٌ، فَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ بهذا وهذا، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ٢: ١٥٦.

ذكر وَفَاةُ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَشَيْءٌ مِنْ تَرْجَمَتِهِ

كان ابتداء مرضه أواخر شوال فَأَرَادَتْ زَوْجَتُهُ أَنْ تَكْتُمَ ذَلِكَ فَلَمْ يُمْكِنْهَا، وَوَقَعَتْ فِتْنَةٌ كَبِيرَةٌ بِبَغْدَادَ وَنَهَبَتِ الْعَوَامُّ دُورًا كَثِيرَةً، وَأَمْوَالًا جَزِيلَةً، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ خُطِبَ لِوَلِيِّ الْعَهْدِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُسْتَضِيءِ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا نُثِرَ الذَّهَبُ فِيهِ عَلَى الْخُطَبَاءِ وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَمَنْ حَضَرَ ذلك، عند ذكر اسمه على المنبر. وكان مرضه بالحمى ابتدأ فيها يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ يَتَزَايَدُ به حتى استكمل في مرضه شهرا، ومات سَلْخَ شَوَّالٍ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ تِسْعَ سِنِينَ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ. وَدُفِنَ بِدَارِ النَّصْرِ الَّتِي بَنَاهَا، وذلك عن وصيته التي أوصاها، وترك ولدين أحدهما ولى عهده وهو عدة الدنيا والدين، أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ، وَالْآخَرُ أَبُو مَنْصُورٍ هَاشِمُ، وَقَدْ وَزَرَ لَهُ جَمَاعَةٌ من الرؤساء، وكان من خيار الخلفاء، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، مزيلا عن الناس المكوسات والضرائب، مبطلا للبدع والمعايب، وكان حليما وقورا كريما، وبويع بالخلافة من بعده لولده الناصر.

وفيها توفى مِنَ الْأَعْيَانِ

إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ

أَبُو إِسْحَاقَ الفقه الشَّافِعِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْفَرَّاءِ الْأُمَوِيُّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ، كان فاضلا مناظرا

<<  <  ج: ص:  >  >>