للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتَّفَقَ بِالْيَمَنِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ جِدًّا، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْزَةَ الْعَلَوِيُّ كَانَ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَجَمَعَ نَحَوًا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَمِنَ الرَّجَّالَةِ جمعا كثيرا، وخافه ملك اليمن إسماعيل بْنِ طُغْتِكِينَ بْنِ أَيُّوبَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زوال ملكه على يدي هذا الرجل، وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ لِضَعْفِهِ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ، وَاخْتِلَافِ أُمَرَائِهِ مَعَهُ فِي الْمَشُورَةِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ صَاعِقَةً فَنَزَلَتْ عليهم فلم يبق منهم أحد سوى طائفة من الخيالة والرجالة، فاختلف جيشه فيما بينهم فغشيهم المعز فقتل منهم ستة آلاف، وَاسْتَقَرَّ فِي مُلْكِهِ آمِنًا.

وَفِيهَا تَكَاتَبَ الْأَخَوَانِ الْأَفْضَلُ مِنْ صَرَخْدَ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَلَبَ عَلَى أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى حِصَارِ دِمَشْقَ وَيَنْزِعَاهَا مِنَ الْمُعَظَّمِ بْنِ الْعَادِلِ، وَتَكُونُ لِلْأَفْضَلِ، ثُمَّ يَسِيرَا إلى مصر فَيَأْخُذَاهَا مِنَ الْعَادِلِ وَابْنِهِ الْكَامِلِ اللَّذَيْنِ نَقَضَا العهد وأبطلا خطبة المنصور، ونكثا المواثيق، فإذا أخذا مِصْرَ كَانَتْ لِلْأَفْضَلِ وَتَصِيرُ دِمَشْقُ مُضَافَةً إِلَى الظَّاهِرِ مَعَ حَلَبَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْعَادِلَ مَا تمالئا عليه أرسل جيشا مددا لابنه المعظم عيسى إلى دمشق، فوصلوا إليها قبل وصول الظاهر وأخيه إليها، وَكَانَ وُصُولُهُمَا إِلَيْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ ناحية بعلبكّ، فنزلا على مَسْجِدِ الْقَدَمِ وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ لِلْبَلَدِ، وَتَسَلَّقَ كَثِيرٌ من الجيش من ناحية خان القدم، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا فَتْحُ الْبَلَدِ، لَوْلَا هُجُومُ الليل، ثم إن الظاهر بدا له في كون دمشق لِلْأَفْضَلِ فَرَأَى أَنْ تَكُونَ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ إذا فتحت مصر تسلمها الأفضل، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلِ الْأَفْضَلُ، فاختلفا وتفرقت كلمتهما، وتنازعا الْمُلْكِ بِدِمَشْقَ، فَتَفَرَّقَتِ الْأُمَرَاءُ عَنْهُمَا، وَكُوتِبَ الْعَادِلُ فِي الصُّلْحِ فَأَرْسَلَ يُجِيبُ إِلَى مَا سَأَلَا وزاد في إِقْطَاعِهِمَا شَيْئًا مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ، وَبَعْضِ مُعَامَلَةِ المعرة. وتفرقت العساكر عن دمشق فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، وَسَارَ كُلٌّ منهما إلى ما تسلم من الْبِلَادِ الَّتِي أُقْطِعَهَا، وَجَرَتْ خُطُوبٌ يَطُولُ شَرْحُهَا، وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ وَأَخُوهُ كَتَبَا إِلَى صَاحِبِ الْمَوْصِلِ نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَانَ الْأَتَابِكِيِّ أَنْ يُحَاصِرَ مُدُنَ الْجَزِيرَةِ الَّتِي مَعَ عَمِّهِمَا الْعَادِلِ، فَرَكِبَ فِي جَيْشِهِ وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ قُطْبِ الدِّينِ صَاحِبِ سِنْجَارَ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمَا صَاحِبُ مَارِدِينَ الَّذِي كَانَ الْعَادِلُ قَدْ حَاصَرَهُ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَقَصَدَتِ الْعَسَاكِرُ حَرَّانَ، وَبِهَا الْفَائِزُ بْنُ الْعَادِلِ، فَحَاصَرُوهُ مُدَّةً، ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُمْ وقوع الصلح عدلوا إلى المصالحة، وَذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِ الْفَائِزِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَتَمَهَّدَتِ الأمور واستقرت على ما كانت عليه.

وفيها مَلَكَ غِيَاثُ الدِّينِ وَأَخُوهُ شِهَابُ الدِّينِ الْغُورِيَّانِ جميع ما كان يملك خُوَارِزْمُ شَاهْ مِنَ الْبُلْدَانِ وَالْحَوَاصِلِ وَالْأَمْوَالِ، وَجَرَتْ لَهُمْ خُطُوبٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا. وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ ابْتَدَأَتْ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَبِلَادِ الرُّومِ وَالْعِرَاقِ، وَكَانَ جُمْهُورُهَا وَعُظْمُهَا بِالشَّامِ تهدمت منها دور كثيرة، وتخربت محال كَثِيرَةٌ، وَخُسِفَ بِقَرْيَةٍ مِنْ أَرْضِ بُصْرَى، وَأَمَّا سواحل الشام وغيرها فهلك فيها شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>