للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَحْتَفِلُ بِهِ احْتِفَالًا هَائِلًا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شهما شجاعا فاتكا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه. وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دِحْيَةَ لَهُ مُجَلَّدًا فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ سَمَّاهُ التنوير في مولد البشير النذير، فَأَجَازَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَدْ طَالَتْ مُدَّتُهُ فِي الْمُلْكِ فِي زَمَانِ الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، وقد كان محاصر عَكَّا وَإِلَى هَذِهِ السَّنَةِ مَحْمُودَ السِّيرَةِ وَالسَّرِيرَةِ، قَالَ السِّبْطُ: حَكَى بَعْضُ مَنْ حَضَرَ سِمَاطَ المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوى، وَعَشَرَةَ آلَافِ دَجَاجَةٍ، وَمِائَةَ أَلْفِ زُبْدِيَّةٍ، وَثَلَاثِينَ أَلْفَ صَحْنِ حَلْوَى، قَالَ: وَكَانَ يَحْضُرُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْلِدِ أَعْيَانُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ فَيَخْلَعُ عَلَيْهِمْ وَيُطْلِقُ لَهُمْ وَيَعْمَلُ لِلصُّوفِيَّةِ سَمَاعًا مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْفَجْرِ، وَيَرْقُصُ بِنَفْسِهِ مَعَهُمْ، وَكَانَتْ لَهُ دَارُ ضِيَافَةٍ لِلْوَافِدِينَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ فِي جَمِيعِ الْقُرَبِ والطاعات على الحرمين وغيرهما، ويتفك مِنَ الْفِرِنْجِ فِي كُلِّ سَنَةٍ خَلْقًا مِنَ الأسارى، حتى قيل إن جملة من استفكه مِنْ أَيْدِيهِمْ سِتُّونَ أَلْفَ أَسِيرٍ، قَالَتْ زَوْجَتُهُ ربيعة خاتون بنت أيوب- وكان قد زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَخُوهَا صَلَاحُ الدِّينِ، لَمَّا كَانَ مَعَهُ عَلَى عَكَّا- قَالَتْ: كَانَ قَمِيصُهُ لَا يساوى خمسة دراهم فَعَاتَبْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ:

لُبْسِي ثَوْبًا بِخَمْسَةٍ وَأَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبًا مُثَمَّنًا وأدع الفقير المسكين، وَكَانَ يَصْرِفُ عَلَى الْمَوْلِدِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى دَارِ الضِّيَافَةِ فِي كل سنة مائة أَلْفَ دِينَارٍ. وَعَلَى الْحَرَمَيْنِ وَالْمِيَاهِ بِدَرْبِ الْحِجَازِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ سِوَى صَدَقَاتِ السِّرِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِقَلْعَةِ إِرْبِلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُحْمَلَ إِلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَتَّفِقْ فَدُفِنَ بِمَشْهَدِ عَلَيٍّ.

وَالْمَلِكُ الْعَزِيزُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْعَادِلِ

وَهُوَ شَقِيقُ الْمُعَظَّمِ، كَانَ صَاحِبَ بَانِيَاسَ وتملك الحصون التي هنالك، وهو الّذي بنى المعظمية، وَكَانَ عَاقِلًا قَلِيلَ الْكَلَامِ مُطِيعًا لِأَخِيهِ الْمُعَظَّمِ، وَدُفِنَ عِنْدَهُ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ عَاشِرَ رمضان ببستانه الناعمة من لهيا رحمه الله وعفا عنه.

[أبو المحاسن محمد بن نصر الدين بن نصر]

ابن الحسين بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْأَنْصَارِيُّ، المعروف بابن عنين الشاعر. قَالَ ابْنُ السَّاعِي أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ وَوُلِدَ بِدِمَشْقَ وَنَشَأَ بِهَا، وَسَافَرَ عَنْهَا سِنِينَ، فَجَابَ الْأَقْطَارَ وَالْبِلَادَ شَرْقًا وَغَرْبًا وَدَخَلَ الْجَزِيرَةَ وَبِلَادَ الرُّومِ وَالْعِرَاقَ وَخُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَالْهِنْدَ واليمن والحجاز وَبَغْدَادَ، وَمَدَحَ أَكْثَرَ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ، وَحَصَّلَ أموالا جزيلة، وكان ظريفا شاعرا مطيقا مَشْهُورًا، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، وَقَدْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ دِمَشْقَ فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ هَذِهِ السَّنَةَ فِي قَوْلِ ابْنِ السَّاعِي، وَأَمَّا السبط وغيره فأرخوا وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، وَقَدْ قِيلَ إنه مات في سنة إحدى وثلاثين والله أعلم. والمشهور أن أصله من حوران مَدِينَةِ زَرْعٍ، وَكَانَتْ إِقَامَتُهُ بِدِمَشْقَ فِي الْجَزِيرَةِ قبلي الجامع،

<<  <  ج: ص:  >  >>