للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِمْصَ، فَمَكَثَ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يَرَى الضَّوْءَ. وكان ابن مرزوق محسنا إلى الجواد قبل ذلك إِحْسَانًا كَثِيرًا. وَسَلَّطَ الْجَوَادُ خَادِمًا لِزَوْجَتِهِ يُقَالُ لَهُ النَّاصِحُ فَصَادَرَ الدَّمَاشِقَةَ وَأَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَمَسَكَ الْأَمِيرَ عِمَادَ الدِّينِ بْنَ الشَّيْخِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ تَمْلِيكِهِ دِمَشْقَ، ثُمَّ خَافَ مِنْ أَخِيهِ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ الَّذِي بِدِيَارِ مِصْرَ، وَقَلِقَ مِنْ مُلْكِ دِمَشْقَ، وَقَالَ أَيْشِ أَعْمَلُ بِالْمُلْكِ؟ بَازٌ وَكَلْبٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هَذَا. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّيْدِ وَكَاتَبَ الصَّالِحَ نَجْمَ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنَ الْكَامِلِ، فَتَقَايَضَا مِنْ حِصْنِ كَيْفَا وَسِنْجَارَ وما تبع ذَلِكَ إِلَى دِمَشْقَ، فَمَلَكَ الصَّالِحُ دِمَشْقَ وَدَخَلَهَا فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، والجواد بين يديه بالغاشية، وَنَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ الْفًائِتَ فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ، وَخَرَجَ مِنْ دمشق والناس يلعنونه بوجهه، بِسَبَبِ مَا أَسْدَاهُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُصَادَرَاتِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الصَّالِحُ أَيُّوبُ لِيَرُدَّ إِلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَسَارَ وَبَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ. ولما استقر الصالح أيوب فِي مُلْكِ مِصْرَ كَمَا سَيَأْتِي حَبَسَ النَّاصِحَ الْخَادِمَ، فَمَاتَ فِي أَسْوَأِ حَالَةٍ، مِنَ الْقِلَّةِ وَالْقَمْلِ، جَزَاءً وِفَاقًا وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٤١: ٤٦ وَفِيهَا رَكِبَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ مِنْ دِمَشْقَ فِي رَمَضَانَ قَاصِدًا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ لِيَأْخُذَهَا مِنْ أَخِيهِ الْعَادِلِ لِصِغَرِهِ، فَنَزَلَ بِنَابُلُسَ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِ النَّاصِرِ دَاوُدَ، وَأَرْسَلَ إِلَى عَمِّهِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ لِيَقْدَمَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ فِي صُحْبَتِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ جَاءَ إِلَيْهِ إِلَى دِمَشْقَ لِيُبَايِعَهُ فَجَعَلَ يُسَوِّفُ بِهِ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَيُحَالِفُ الْأُمَرَاءَ بِدِمَشْقَ لِيَكُونَ مَلِكَهُمْ، وَلَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّالِحِ أَيُّوبَ لِجَبَرُوتِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ، وَانْقَضَتِ السَّنَةُ وَهُوَ مقيم بنابلس يستدعى إليه وهو يماطله.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ

جَمَالُ الدِّينِ الحصيري الحنفي

محمود بن أحمد العلامة شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَمُدَرِّسُ النُّورِيَّةِ، أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا حَصِيرُ مِنْ مُعَامَلَةِ بُخَارَى، تَفَقَّهَ بِهَا وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَصَارَ إِلَى دمشق فانتهت إليه رياسة الحنفية بها، لا سيما فِي أَيَّامِ الْمُعَظَّمِ، كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْجَامِعَ الْكَبِيرَ، وَلَهُ عَلَيْهِ شَرْحٌ، وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ ويكرمه، وكان رحمه الله غَزِيرَ الدَّمْعَةِ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ، عَاقِلًا نَزِهًا عَفِيفًا، تُوُفِّيَ يَوْمَ الْأَحَدِ ثَامِنَ صَفَرٍ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصوفية تغمده الله برحمته. تُوُفِّيَ وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً، وَأَوَّلُ دَرْسِهِ بِالنُّورِيَّةِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَ وَسِتِّمِائَةٍ، بَعْدَ الشَّرَفِ داود الّذي تولاها بعد البرهان مسعود، وأول مُدَرِّسِيهَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمِيرُ عِمَادُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ شَيْخِ الشُّيُوخِ صَدْرِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ حَمُّوَيْهِ، كَانَ سَبَبًا فِي وِلَايَةِ الْجَوَادِ دِمَشْقَ ثُمَّ سَارَ إِلَى مِصْرَ فَلَامَهُ صَاحِبُهَا العادل بن الكامل بن الْعَادِلُ، فَقَالَ الْآنَ أَرْجِعُ إِلَى دِمَشْقَ وَآمُرُ الْجَوَادَ بِالْمَسِيرِ إِلَيْكَ، عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ إِسْكَنْدَرِيَّةُ عِوَضَ دِمَشْقَ، فَإِنِ امْتَنَعَ عَزَلْتُهُ عَنْهَا وَكُنْتُ أَنَا نَائِبَكَ فِيهَا، فَنَهَاهُ أَخُوهُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الشَّيْخِ عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَرَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ فَتَلَقَّاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>