للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالتُّرَابِ فَسَجَدَ لَهُ الْعُلَمَاءُ تَكْرِيمًا لَهُ وَإِعْظَامًا والله أعلم ثم ذكر تعالى أنه حكم فِي أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ (قُلْنا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً. قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) ١٨: ٨٦- ٨٧ أَيْ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ عَذَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبَدَأَ بِعَذَابِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ أَزْجَرُ عِنْدَ الْكَافِرِ (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ من أَمْرِنا يُسْراً) ١٨: ٨٨ فَبَدَأَ بِالْأَهَمِّ وَهُوَ ثَوَابُ الْآخِرَةِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ الْإِحْسَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ وَالْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ١٨: ٨٩ أَيْ سَلَكَ طَرِيقًا رَاجِعًا مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى المشرق فيقال إنه رجع في ثنتى عشر سَنَةً (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) ١٨: ٩٠ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ بُيُوتٌ وَلَا أَكْنَانٌ يَسْتَتِرُونَ بِهَا مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ. قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ كَانُوا يَأْوُونَ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحَرُّ إِلَى أَسْرَابٍ قَدِ اتَّخَذُوهَا فِي الْأَرْضِ شِبْهِ الْقُبُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً ١٨: ٩١ أَيْ وَنَحْنُ نَعْلَمُ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَنَحْفَظُهُ وَنَكْلَؤُهُ بِحِرَاسَتِنَا فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ مَغَارِبِ الْأَرْضِ إِلَى مَشَارِقِهَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ السَّلَفِ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ حَجَّ مَاشِيًا فَلَمَّا سَمِعَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ بِقُدُومِهِ تَلَقَّاهُ فَلَمَّا اجْتَمَعَا دَعَا لَهُ الْخَلِيلُ وَوَصَّاهُ بِوَصَايَا وَيُقَالُ إِنَّهُ جِيءَ بِفَرَسٍ لِيَرْكَبَهَا فَقَالَ لَا أَرْكَبُ فِي بَلَدٍ فِيهِ الْخَلِيلُ فَسَخَّرَ اللَّهُ لَهُ السَّحَابَ وَبَشَّرَهُ إِبْرَاهِيمُ بِذَلِكَ فَكَانَتْ تَحْمِلُهُ إِذَا أراد. وقوله تَعَالَى ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً. حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ١٨: ٩٢- ٩٣ يعنى غشما. يقال إِنَّهُمْ هُمُ التُّرْكُ أَبْنَاءُ عَمِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ قَدْ تَعَدَّوْا عَلَيْهِمْ وَأَفْسَدُوا فِي بِلَادِهِمْ وَقَطَعُوا السُّبُلَ عَلَيْهِمْ وَبَذَلُوا لَهُ حِمْلًا وَهُوَ الْخَرَاجُ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ حَاجِزًا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ فَامْتَنَعَ مِنْ أَخْذِ الْخَرَاجِ اكْتِفَاءً بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ (قَالَ مَا مكنى فيه ربى خير) ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا لَهُ رِجَالًا وَآلَاتٍ لِيَبْنِيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ سَدًّا وَهُوَ الرَّدْمُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ إِلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ بَيْنِهِمَا وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ بِحَارٌ مُغْرِقَةٌ وَجِبَالٌ شَاهِقَةٌ فَبَنَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى مِنَ الْحَدِيدِ وَالْقِطْرِ وَهُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ. وَقِيلَ الرَّصَاصُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَجَعَلَ بَدَلَ اللَّبِنِ حَدِيدًا وَبَدَلَ الطِّينِ نُحَاسًا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) ١٨: ٩٧ أَيْ يَعْلُوَا عَلَيْهِ بِسَلَالِمَ وَلَا غَيْرِهَا (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) ١٨: ٩٧ أي بمعاول ولا فؤس وَلَا غَيْرِهَا فَقَابَلَ الْأَسْهَلَ بِالْأَسْهَلِ وَالْأَشَدَّ بِالْأَشَدِّ (قال هذا رَحْمَةٌ من رَبِّي) ١٨: ٩٨ أَيْ قَدَّرَ اللَّهُ وُجُودَهُ لِيَكُونَ رَحْمَةً مِنْهُ بِعِبَادِهِ أَنْ يَمْنَعَ بِسَبَبِهِ عُدْوَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى مَنْ جَاوَرَهُمْ فِي تِلْكَ الْمَحِلَّةِ (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) ١٨: ٩٨ أَيِ الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَ خُرُوجَهُمْ عَلَى النَّاسِ في آخر الزمان (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) ١٨: ٩٨ أَيْ مُسَاوِيًا لِلْأَرْضِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ هَذَا وَلِهَذَا قَالَ (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) ١٨: ٩٨ كَمَا قَالَ تَعَالَى حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ٢١: ٩٦- ٩٧ الآية وَلِذَا قَالَ هَاهُنَا (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ) ١٨: ٩٩ يَعْنِي يَوْمَ فَتْحِ السَّدِّ عَلَى الصَّحِيحِ (وَنُفِخَ في

<<  <  ج: ص:  >  >>