للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ الْحَافِظُ أَبُو إبراهيم إسحاق بن عبد الله

ابن عُمَرَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ قَاضِي الْيَمَنِ، عَنْ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالشَّرَفِ الْأَعْلَى، وَكَانَ قَدْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَاتٍ جَيِّدَةٍ وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهِ. وَفِيهَا ولد الشيخ شرف الدين عبد الله بن تَيْمِيَّةَ أَخُو الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَالْخَطِيبُ الْقَزْوِينِيُّ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وستمائة

فِي صَفَرٍ مِنْهَا جَدَّدَ السُّلْطَانُ الظَّاهِرُ الْبَيْعَةَ لِوَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ الْمَلِكِ السَّعِيدِ مُحَمَّدِ بَرَكَةَ خَانَ، وَأَحْضَرَ الْأُمَرَاءَ كُلَّهُمْ وَالْقُضَاةَ وَالْأَعْيَانَ وَأَرْكَبَهُ وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَتَبَ لَهُ ابْنُ لُقْمَانَ تَقْلِيدًا هَائِلًا بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ، وَأَنْ يَحْكُمَ عَنْهُ أَيْضًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ، ثُمَّ رَكِبَ السُّلْطَانُ فِي عَسَاكِرِهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ قَاصِدًا الشَّامَ، فَلَمَّا دَخَلَ دِمَشْقَ جَاءَتْهُ رُسُلٌ مِنْ أَبْغَا مَلِكِ التَّتَارِ مَعَهُمْ مُكَاتَبَاتٌ وَمُشَافَهَاتٌ، فمن جملة المشافهات: أنت مملوك بعت بِسِيوَاسَ فَكَيْفَ يَصْلُحُ لَكَ أَنْ تُخَالِفَ مُلُوكَ الْأَرْضِ؟ وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَوْ صَعِدْتَ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ هَبَطْتَ إِلَى الْأَرْضِ مَا تَخَلَّصْتَ مِنِّي فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ عَلَى مُصَالَحَةِ السُّلْطَانِ أَبْغَا. فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ وَلَا عَدَّهُ شَيْئًا بَلْ أَجَابَ عَنْهُ أَتَمَّ جَوَابٍ، وَقَالَ لِرُسُلِهِ: أَعْلِمُوهُ أَنِّي مِنْ وَرَائِهِ بِالْمُطَالَبَةِ وَلَا أَزَالُ حَتَّى أَنْتَزِعَ مِنْهُ جَمِيعَ الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا مِنْ بِلَادِ الْخَلِيفَةِ، وَسَائِرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ.

وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ رَسَمَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِإِرَاقَةِ الْخُمُورِ وَتَبْطِيلِ الْمُفْسِدَاتِ وَالْخَوَاطِئِ بِالْبِلَادِ كُلِّهَا، فَنُهِبَتِ الخواطئ وسلبن جميع ما كان معهن حَتَّى يَتَزَوَّجْنَ، وَكُتِبَ إِلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ بِذَلِكَ، وأسقط الْمُكُوسُ الَّتِي كَانَتْ مُرَتَّبَةً عَلَى ذَلِكَ، وَعَوَّضَ مَنْ كَانَ مُحَالًا عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِهَا وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ بِعَسَاكِرِهِ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ عِنْدَ خَرِبَةِ اللُّصُوصِ تَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ وَلَدَهَا دَخَلَ مَدِينَةَ صُورَ، وَأَنَّ صَاحِبَهَا الْفِرِنْجِيَّ غَدَرَ بِهِ وَقَتَلَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ، فَرَكِبَ السُّلْطَانُ وَشَنَّ الْغَارَةَ عَلَى صُورَ فَأَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا، وَقَتَلَ خَلْقًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلِكُهَا مَا سَبَبُ هَذَا؟ فَذَكَرَ لَهُ غَدْرَهُ وَمَكْرَهُ بِالتُّجَّارِ ثُمَّ قَالَ السُّلْطَانُ لِمُقَدَّمِ الْجُيُوشِ: أَوْهِمِ النَّاسَ أَنِّي مَرِيضٌ وَأَنِّي بِالْمَحَفَّةِ وَأَحْضِرِ الْأَطِبَّاءَ وَاسْتَوْصِفْ لِي مِنْهُمْ مَا يَصْلُحُ لِمَرِيضٍ بِهِ كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا وَصَفُوا لَكَ فَأَحْضِرِ الْأَشْرِبَةَ إِلَى الْمَحَفَّةِ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ. ثُمَّ رَكِبَ السُّلْطَانُ على البريد وساق مسرعا فَكَشَفَ أَحْوَالَ وَلَدِهِ وَكَيْفَ الْأَمْرُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَعْدَهُ، ثُمَّ عَادَ مُسْرِعًا إِلَى الْجَيْشِ فَجَلَسَ فِي الْمَحَفَّةِ وَأَظْهَرُوا عَافِيَتَهُ وَتَبَاشَرُوا بِذَلِكَ. وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ، وَإِقْدَامٌ هَائِلٌ.

وَفِيهَا حَجَّ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ وَفِي صُحْبَتِهِ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ الْخَزَنْدَارُ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ الْحَنَفِيُّ، وَفَخْرُ الدِّينِ بْنُ لُقْمَانَ، وَتَاجُ الدِّينِ بْنُ الْأَثِيرِ وَنَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ مَمْلُوكٍ، وَأَجْنَادٍ مِنَ الخلقة الْمَنْصُورَةِ، فَسَارَ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَكِ وَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهَا ثُمَّ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا وَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهَا، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمُجَاوِرِينَ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَطَافَ طَوَافَ

<<  <  ج: ص:  >  >>