للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيمند بن بيمند بن بيمند]

ابرنس طرابلس الفرنجى، كان جده نائبا لبنت صيحل الَّذِي تَمَلَّكَ طَرَابُلُسَ مِنَ ابْنِ عَمَّارٍ فِي حُدُودِ الْخَمْسِمِائَةِ، وَكَانَتْ يَتِيمَةً تَسْكُنُ بَعْضَ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَتَغَلَّبَ هَذَا عَلَى الْبَلَدِ لِبُعْدِهَا عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِهَا وَلَدُهُ ثُمَّ حَفِيدُهُ هَذَا، وَكَانَ شَكِلًا مَلِيحًا. قَالَ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ: رأيته في بعلبكّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ حِينَ جَاءَ مسلما على كتبغانوين، وَرَامَ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ بَعْلَبَكَّ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ دُفِنَ فِي كَنِيسَةِ طَرَابُلُسَ، وَلَمَّا فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ نَبَشَ النَّاسُ قَبْرَهُ وَأَخْرَجُوهُ مِنْهُ وَأَلْقَوْا عِظَامَهُ عَلَى الْمَزَابِلِ لِلْكِلَابِ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سنة أربع وسبعين وستمائة

لما كان يوم الخميس ثامن جمادى الأولى نَزَلَ التَّتَارُ عَلَى الْبِيرَةِ فِي ثَلَاثِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمَغُولِ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الرُّومِ، وَالْمُقَدَّمُ عَلَى الْجَمِيعِ البرواناه بأمر أبغا ملك التتار وَمَعَهُمْ جَيْشُ الْمَوْصِلِ وَجَيْشُ مَارِدِينَ وَالْأَكْرَادُ، وَنَصَبُوا عَلَيْهَا ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ مَنْجَنِيقًا، فَخَرَجَ أَهْلُ الْبِيرَةِ فِي اللَّيْلِ فَكَبَسُوا عَسْكَرَ التَّتَارِ وَأَحْرَقُوا الْمَنْجَنِيقَاتِ وَنَهَبُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَرَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ سَالِمِينَ، فَأَقَامَ عَلَيْهَا الْجَيْشُ مُدَّةً إِلَى تَاسِعَ عَشَرَ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهَا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً. ٣٣: ٢٥ وَلَمَّا بَلَغَ السُّلْطَانَ نُزُولُ التتار عَلَى الْبِيرَةِ أَنْفَقَ فِي الْجَيْشِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ رَكِبَ سَرِيعًا وَفِي صُحْبَتِهِ وَلَدُهُ السَّعِيدُ، فَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بَلَغَهُ رحيل التتار عَنْهَا فَعَادَ إِلَى دِمَشْقَ، ثُمَّ رَكِبَ فِي رَجَبٍ إِلَى الْقَاهِرَةِ فَدَخَلَهَا فِي ثَامِنَ عَشَرَ فَوَجَدَ بِهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ رَسُولًا مِنْ جِهَةِ مُلُوكِ الْأَرْضِ يَنْتَظِرُونَهُ فَتَلَقَّوْهُ وَحَدَّثُوهُ وَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَدَخَلَ الْقَلْعَةَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ. وَلَمَّا عَادَ الْبَرْوَانَاهْ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ حَلَّفَ الْأُمَرَاءَ الْكِبَارَ مِنْهُمْ شَرَفُ الدِّينِ مَسْعُودٌ وَضِيَاءُ الدين محمود ابنا الخطيريّ، وأمين الدين ميكائيل، وحسام الدين ميجار، وَوَلَدُهُ بَهَاءُ الدِّينِ، عَلَى أَنْ يَكُونُوا مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ وَيُنَابِذُوا أَبْغَا، فَحَلَفُوا لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى الظَّاهِرِ بِذَلِكَ، وَأَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ جَيْشًا وَيَحْمِلَ لَهُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ إِلَى التَّتَارِ، وَيَكُونَ غِيَاثُ الدِّينِ كنجرى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، يَجْلِسُ عَلَى تَخْتِ مَمْلَكَةِ الرُّومِ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَسْقَى أَهْلُ بغداد ثلاثة أيام فَلَمْ يُسْقَوْا. وَفِيهَا فِي رَمَضَانَ مِنْهَا وُجِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى فَاحِشَةِ الزِّنَا، فَأَمَرَ عَلَاءُ الدِّينِ صَاحِبُ الدِّيوَانِ بِرَجْمِهِمَا فَرُجِمَا، وَلَمْ يُرْجَمْ بِبَغْدَادَ قَبْلَهُمَا قَطُّ أَحَدٌ مُنْذُ بُنِيَتْ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا. وَفِيهَا اسْتَسْقَى أَهْلُ دِمَشْقَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ. فِي أَوَاخِرِ رَجَبٍ وأوائل شعبان- وكان ذلك في آخر كَانُونَ الثَّانِي- فَلَمْ يُسْقَوْا أَيْضًا. وَفِيهَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ جَيْشًا إِلَى دُنْقُلَةَ فَكَسَرَ جَيْشَ السُّودَانِ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا وَأَسَرُوا شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ السودان

<<  <  ج: ص:  >  >>