للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجلسوا حوله، ولم تجتمع هذه المناصب لغيره قبله، وَلَا بَلَغَنَا أَنَّهَا اجْتَمَعَتْ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا: الْقَضَاءُ وَالْخَطَابَةُ وَمَشْيَخَةُ الشُّيُوخِ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الأول قتل الفتح أحمد بن الثقفي بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، حَكَمَ فِيهِ الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ بْنُ مَخْلُوفٍ الْمَالِكِيُّ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مَنْ تنقيصه للشريعة وَاسْتِهْزَائِهِ بِالْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ، وَمُعَارَضَةِ الْمُشْتَبِهَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، يذكر عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحِلُّ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ اللِّوَاطِ والخمر وغير ذلك، لمن كان يجتمع فيه مِنَ الْفَسَقَةِ مِنَ التُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْجَهَلَةِ، هذا وقد كان له فَضِيلَةٌ وَلَهُ اشْتِغَالٌ وَهَيْئَةٌ جَمِيلَةٌ فِي الظَّاهِرِ، وَبِزَّتُهُ وَلُبْسَتُهُ جَيِّدَةٌ، وَلَمَّا أُوقِفَ عِنْدَ شُبَّاكِ دَارِ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةِ بَيْنَ الْقَصْرَيْنِ اسْتَغَاثَ بِالْقَاضِي تقى الدين بن دقيق العبد فقال:

ما تعرف منى؟ فقال: أَعْرِفُ مِنْكَ الْفَضِيلَةَ، وَلَكِنَّ حُكْمَكَ إِلَى الْقَاضِي زَيْنِ الدِّينِ، فَأَمْرَ الْقَاضِي لِلْوَالِي أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَطِيفَ بِرَأْسِهِ فِي الْبَلَدِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ طَعَنَ فِي الله ورسوله.

قال الْبِرْزَالِيُّ فِي تَارِيخِهِ: وَفِي وَسَطِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ بِلَادِ حَمَاةَ مِنْ جِهَةِ قَاضِيهَا يُخْبِرُ فِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِبَارِينَ مِنْ عَمَلِ حَمَاةَ بَرَدٌ كبار على صور حيوانات مختلفة شتى، سباع وحيات وعقارب وطيور ومعز ونساء، وَرِجَالٌ فِي أَوْسَاطِهِمْ حَوَائِصُ، وَأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِمَحْضَرٍ عِنْدَ قَاضِي النَّاحِيَةِ، ثُمَّ نُقِلَ ثُبُوتُهُ إِلَى قَاضِي حَمَاةَ. وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرِ ربيع الآخر شنق الشيخ على الحوير الى بَوَّابُ الظَّاهِرِيَّةِ عَلَى بَابِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِقَتْلِ الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيِّ.

وَفِي النِّصْفِ مِنْهُ حَضَرَ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ تَدْرِيسَ النَّاصِرِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ عِوَضًا عَنْ كَمَالِ الدِّينِ ابن الشَّرِيشِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ مَحْضَرٌ أَنَّهَا لِقَاضِي الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ، فَانْتَزَعَهَا مِنْ يَدِ ابْنِ الشَّرِيشِيِّ.

وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى قَدِمَ الصَّدْرُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ شَرَفِ الدين بن القلانسي على أهله من التتر بعد أسر سنتين وأياما وَقَدْ حُبِسَ مُدَّةً ثُمَّ لَطَفَ اللَّهُ بِهِ وَتَلَطَّفَ حَتَّى تَخَلَّصَ مِنْهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَفَرِحُوا بِهِ.

وَفِي سَادِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنَ الْقَاهِرَةِ وَأَخْبَرَ بِوَفَاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْخَلِيفَةِ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ، وَأَنَّ وَلَدَهُ وَلِيَ الْخِلَافَةَ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ، وَلُقِّبَ بِالْمُسْتَكْفِي باللَّه، وَأَنَّهُ حَضَرَ جِنَازَتَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُشَاةً، وَدُفِنَ بِالْقُرْبِ مِنَ السِّتِّ نَفِيسَةَ، وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً فِي الْخِلَافَةِ، وَقَدِمَ مع البريد تقليد بالقضاء لشمس الدين الحريري الحنفي، ونظر الدَّوَاوِينِ لِشَرَفِ الدِّينِ بْنِ مُزْهِرٍ، وَاسْتَمَرَّتِ الْخَاتُونِيَّةُ الْجَوَّانِيَّةُ بِيَدِ الْقَاضِي جَلَالِ الدِّينِ بْنِ حُسَامِ الدِّينِ بِإِذْنِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ.

وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَاسِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ خُطِبَ لِلْخَلِيفَةِ الْمُسْتَكْفِي باللَّه وَتُرُحِّمَ عَلَى وَالِدِهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَأُعِيدَتِ النَّاصِرِيَّةُ إِلَى ابْنِ الشَّرِيشِيِّ وَعُزِلَ عَنْهَا ابْنُ جَمَاعَةَ وَدَرَّسَ بِهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ. وَفِي شَوَّالٍ قَدِمَ إِلَى الشَّامِ جَرَادٌ عَظِيمٌ أَكَلَ الزَّرْعَ وَالثِّمَارَ وَجَرَّدَ الْأَشْجَارَ حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>