للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِلْمِ الَّتِي لَهُ وَيَسْتَعِينُوا عَلَى ذَلِكَ بِجَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ، فَإِنَّهُ يَدْرِي كَيْفَ يَسْتَخْرِجُ لَهُ مَا يُرِيدُهُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا، وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: وَالْحَقُّ كُلُّ مَا لَهُ فِي عُلُوٍّ وَازْدِيَادٍ وَانْتِصَارٍ، وَالْبَاطِلُ فِي انْخِفَاضٍ وَسُفُولٍ وَاضْمِحْلَالٍ، وَقَدْ أَذَلَّ اللَّهُ رِقَابَ الْخُصُومِ، وَطَلَبَ أَكَابِرُهُمْ مِنَ السَّلَمِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَقَدِ اشْتَرَطْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الشُّرُوطِ مَا فِيهِ عِزُّ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا فِيهِ قَمْعُ الْبَاطِلِ وَالْبِدْعَةِ، وَقَدْ دَخَلُوا تَحْتَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَامْتَنَعْنَا مِنْ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، حَتَّى يَظْهَرَ إِلَى الْفِعْلِ، فَلَمْ نَثِقْ لَهُمْ بِقَوْلٍ وَلَا عَهْدٍ، وَلَمْ نُجِبْهُمْ إِلَى مَطْلُوبِهِمْ حَتَّى يَصِيرَ الْمَشْرُوطُ مَعْمُولًا، وَالْمَذْكُورُ مَفْعُولًا، وَيَظْهَرَ مَنْ عَزِّ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو سَيِّئَاتِهِمْ، وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا يَتَضَمَّنُ مَا جَرَى لَهُ مَعَ السُّلْطَانِ فِي قَمْعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَذُلِّهِمْ، وَتَرْكِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الذِّلَّةِ وَالصِّغَارِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

وَفِي شَوَّالٍ أَمْسَكَ السُّلْطَانُ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَمِيرًا، وَفِي سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ وَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ حَوْرَانَ مِنْ قَيْسٍ وَيَمَنٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، قُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ نَحْوٌ مَنْ أَلْفِ نَفْسٍ بالقرب من السوداء، وهم يسمونها السُّوَيْدَاءِ، وَوَقْعَةَ السُّوَيْدَاءِ، وَكَانَتِ الْكَسْرَةُ عَلَى يَمَنٍ فَهَرَبُوا مِنْ قَيْسٍ حَتَّى دَخَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى دِمَشْقَ فِي أَسْوَأِ حَالٍ وَأَضْعَفِهِ، وَهَرَبَتْ قَيْسٌ خَوْفًا مِنَ الدَّوْلَةِ، وَبَقِيَتِ الْقُرَى خَالِيَةً والزروع سائبة. ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. ٢: ١٥٦ وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سادس الْقَعْدَةِ قَدِمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قَبْجَقُ الْمَنْصُورِيُّ نَائِبًا عَلَى حَلَبَ فَنَزَلَ الْقَصْرَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى حَلَبَ بمن معه من الأمراء والأجناد واجتاز الأمير سيف الدين بهادر بدمشق ذاهبا إلى طرابلس نائبا وَالْفُتُوحَاتِ السَّوَاحِلِيَّةِ عِوَضًا عَنِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ استدمر، وَوَصَلَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ كَانَ قَدْ سَافَرَ مَعَ السُّلْطَانِ إِلَى مِصْرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهُمْ قَاضِي قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ صَدْرُ الدِّينِ، وَمُحْيِي الدِّينِ بن فضل الله وغيرهما، فقمت وَجَلَسْتُ يَوْمًا إِلَى الْقَاضِي صَدْرِ الدِّينِ الْحَنَفِيِّ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ مِصْرَ فَقَالَ لِي أَتُحِبُّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ لِي وَهُوَ يضحك: والله لقد أحببت شيئا مليحا، وذكر لي قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْقَلَانِسِيِّ، لَكِنَّ سِيَاقَ ابن القلانسي أتم.

[ذكر مقتل الجاشنكيرى]

كَانَ قَدْ فَرَّ الْخَبِيثُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قَرَاسُنْقُرُ الْمَنْصُورِيُّ مِنْ مِصْرَ مُتَوَجِّهًا إِلَى نِيَابَةِ الشَّامِ عوضا عن الافرم، فلما كان بغزة فِي سَابِعِ ذِي الْقَعْدَةِ ضَرَبَ حَلْقَةً لِأَجْلِ الصَّيْدِ، فَوَقَعَ فِي وَسَطِهَا الْجَاشْنَكِيرُ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأُحِيطَ بِهِمْ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ فَأَمْسَكُوهُ وَرَجَعَ مَعَهُ قَرَاسُنْقُرُ وَسَيْفُ الدِّينِ بَهَادُرُ على الهجن، فلما كان بالخطارة تلقاهم استدمر فتسلمن منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>