وجاور بمكة أشهرا ثُمَّ دَخَلَ الْيَمَنَ فَأَعْطَاهُ مَلِكُهَا الْمُظَفَّرُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، ثُمَّ دَخَلَ مِصْرَ فَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى الرُّومِ عَلَى طَرِيقِ أَنْطَاكِيَةَ فَأَقَامَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً بِقُونِيَةَ وَبِسِيوَاسَ خَمْسًا وَبِقَيْسَارِيَّةَ سَنَةً، وَاجْتَمَعَ بِالْقَاضِي سِرَاجِ الدِّينِ فَأَكْرَمَهُ، ثُمَّ قَدِمَ إِلَى دِمَشْقَ فِي سَنَةِ خمس وثمانين فأقام بها واستوطنها ودرس بالرواحية وَالدَّوْلَعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَالْأَتَابِكِيَّةِ وَصَنَّفَ فِي الْأُصُولِ وَالْكَلَامِ، وتصدى لِلِاشْتِغَالِ وَالْإِفْتَاءِ، وَوَقَفَ كُتُبَهُ بِدَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ، وَكَانَ فِيهِ بِرٌّ وَصِلَةٌ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ تاسع عشر من صَفَرٍ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَقْتَ مَوْتِهِ سِوَى الظَّاهِرِيَّةِ وَبِهَا مَاتَ، فَدَرَّسَ بَعْدَهُ فِيهَا ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ، وَأَخَذَ ابْنُ صَصْرَى الْأَتَابِكِيَّةَ.
الْقَاضِي الْمُسْنِدُ الْمُعَمَّرُ الرُّحْلَةُ
تَقِيُّ الدِّينِ سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بْنِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ الْحَاكِمُ بِدِمَشْقَ وُلِدَ فِي نِصْفِ رَجَبٍ سِنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ وَقَرَأَ بِنَفْسِهِ وَتَفَقَّهَ وَبَرَعَ، وَوَلِيَ الْحُكْمَ وَحَدَّثَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ وَأَحْسَنِهِمْ خُلُقًا وَأَكْثَرِهِمْ مُرُوءَةً، تُوُفِّيَ فَجْأَةً بَعْدَ مَرْجِعِهِ مِنَ الْبَلَدِ وَحُكْمِهِ بِالْجَوْزِيَّةِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالدَّيْرِ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَمَاتَ عَقِيبَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ حَادِي عِشْرِينَ ذِي الْقَعْدَةِ، وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ بِتُرْبَةِ جَدِّهِ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنُ الشَّيْخِ عَلِيِّ الْحَرِيرِيُّ
كَانَ مُقَدَّمًا فِي طَائِفَتِهِ، مَاتَ أَبُوهُ وعمره سنتان، توفى في قرية نسر فِي جُمَادَى الْأُولَى.
الْحَكِيمُ الْفَاضِلُ الْبَارِعُ
بَهَاءُ الدِّينِ عَبْدُ السَّيِّدِ بْنُ الْمُهَذَّبِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى الطَّبِيبُ الْكَحَّالُ الْمُتَشَرِّفُ بِالْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ مُبَارَكًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهِمْ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ دَيَّانَ الْيَهُودِ، فَهَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْأَحَدِ سَادِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَدُفِنَ مِنْ يومه بسفح قاسيون، أسلم عَلَى يَدَيْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ لَمَّا بَيَّنَ لَهُ بُطْلَانَ دِينِهِمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ وَمَا بَدَّلُوهُ مِنْ كِتَابِهِمْ وَحَرَّفُوهُ مِنَ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ست عشرة وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ وَحُكَّامُ الْبِلَادِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا غَيْرَ الْحَنْبَلِيِّ بِدِمَشْقَ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ. وَفِي الْمُحَرَّمِ تَكَمَّلَتْ تَفْرِقَةُ المثالات السلطانية بمصر بمقتضى إزالة الأجناد، وَعَرْضِ الْجَيْشِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمَكْسَ بِسَائِرِ الْبِلَادِ الْقِبْلِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ. وَفِيهِ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بين الحنابلة والشافعية بِسَبَبِ الْعَقَائِدِ، وَتَرَافَعُوا إِلَى دِمَشْقَ فَحَضَرُوا بِدَارِ السَّعَادَةِ عِنْدَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ تَنْكِزَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.patreon.com/shamela4