للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِرْهَمٍ، وَاسْتُدْعِيَ مِنْ غَزَّةَ نَاظِرُهَا جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ صِهْرُ السُّنِّيِّ الْمُسْتَوْفِي، فَبَاشَرَ نَظَرَ دِيوَانِ النَّائِبِ وَنَظَرَ الْمَارَسْتَانِ النُّورِيِّ أَيْضًا عَلَى الْعَادَةِ.

وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أَمَرَ تَنْكِزُ بِإِصْلَاحِ بَابِ تُومَا فَشُرِعَ فِيهِ فَرُفِعَ بَابُهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَجُدِّدَتْ حِجَارَتُهُ وَحَدِيدُهُ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ حَصَلَ بِدِمَشْقَ سَيْلٌ خَرَّبَ بَعْضَ الْجُدْرَانِ ثُمَّ تَنَاقَصَ، وَفِي أَوَائِلِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَدِمَ مِنْ مِصْرَ جَمَالُ الدِّينِ آقُّوشُ نائب الكرك مجتازا إلى طرابلس نائبها عوضا عن قرطا، توفى. وَفِي جُمَادَى الْأُولَى طُلِبَ الْقَاضِي شِهَابُ الدِّينِ ابن الْمَجْدِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ فَوَلِيَ وِكَالَةَ بَيْتِ الْمَالِ عِوَضًا عَنِ ابْنِ الْقَلَانِسِيِّ، وَوَصَلَ تَقْلِيدُهُ مِنْ مِصْرَ بِذَلِكَ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ. وفيه طلب الأمير نجم الدين ابن الزَّيْبَقِ مِنْ وِلَايَةِ نَابُلُسَ فَوَلِيَ شَدَّ الدَّوَاوِينِ بِدِمَشْقَ، وَقَدْ شَغَرَ مَنْصِبُهُ شُهُورًا بَعْدَ ابْنِ الْخَشَّابِ. وَفِي رَمَضَانَ خَطَبَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ أبو اليسر ابن الصائغ بالقدس عوضا عن زين الدين ابن جَمَاعَةَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا وَاخْتِيَارِهِ الْعَوْدَ إِلَى بَلَدِهِ.

قَضِيَّةُ الْقَاضِي ابْنِ جُمْلَةَ

لَمَّا كَانَ فِي العشر الأخير مِنْ رَمَضَانَ وَقَعَ بَيْنَ الْقَاضِي ابْنِ جُمْلَةَ وَبَيْنَ الشَّيْخِ الظَّهِيرِ شَيْخِ مَلَكِ الْأُمَرَاءِ- وَكَانَ هُوَ السَّفِيرُ فِي تَوْلِيَةِ ابْنِ جُمْلَةَ الْقَضَاءَ- فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا مُنَافَسَةٌ وَمُحَاقَقَةٌ فِي أُمُورٍ كَانَتْ بينه وبين الدوادار الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ نَاصِرِ الدِّينِ، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ منهما على خلاف ما حلف به الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَتَفَاصَلَا مِنْ دَارِ السَّعَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا رَجَعَ الْقَاضِي إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْعَادِلِيَّةِ أرسل إليه الشَّيْخِ الظَّهِيرِ لِيَحْكُمَ فِيهِ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، وَذَلِكَ عَنْ مَرْسُومِ النَّائِبِ، وَكَأَنَّهُ كَانَ خَدِيعَةً فِي الْبَاطِنِ وَإِظْهَارًا لِنُصْرَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ، فَبَدَرَ بِهِ الْقَاضِي بَادِيَ الرَّأْيِ فَعَزَّرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَتَسَلَّمَهُ أَعْوَانُ ابْنِ جُمْلَةَ فَطَافُوا بِهِ الْبَلَدَ عَلَى حِمَارٍ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعَ عِشْرِينَ رَمَضَانَ، وَضَرَبُوهُ ضَرْبًا عَنِيفًا، وَنَادَوْا عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَكْذِبُ وَيَفْتَاتُ عَلَى الشَّرْعِ، فَتَأَلَّمَ النَّاسُ لَهُ لِكَوْنِهِ فِي الصِّيَامِ. وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رمضان، ويوم سبع وَعِشْرِينَ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ صَائِمٌ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ ضُرِبَ يَوْمَئِذٍ أَلْفَيْنِ وَمِائَةً وَإِحْدَى وَسَبْعِينَ دِرَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَمَا أَمْسَى حَتَّى اسْتُفْتِيَ عَلَى الْقَاضِي الْمَذْكُورِ وَدَارُوا عَلَى الْمَشَايِخِ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ مَرْسُومِ النَّائِبِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ تَاسِعِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ عَقَدَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِدَارِ السَّعَادَةِ مَجْلِسًا حَافِلًا بِالْقُضَاةِ وَأَعْيَانِ الْمُفْتِينَ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، وَأُحْضِرَ ابْنُ جُمْلَةَ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَجْلِسُ قَدِ احْتَفَلَ بِأَهْلِهِ، وَلَمْ يَأْذَنُوا لِابْنِ جُمْلَةَ فِي الْجُلُوسِ، بَلْ قَامَ قَائِمًا ثم أجلس بعد ساعة جيدة فِي طَرَفِ الْحَلَقَةِ، إِلَى جَانِبِ الْمِحَفَّةِ الَّتِي فِيهَا الشَّيْخُ الظَّهِيرُ، وَادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ بَقِيَّةِ الْقُضَاةِ أَنَّهُ حَكَمَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَاعْتَدَى عَلَيْهِ فِي الْعُقُوبَةِ، وَأَفَاضَ الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِكَ، وَانْتَشَرَ الْكَلَامُ وَفَهِمُوا مِنْ نَفْسِ النَّائِبِ الْحَطَّ عَلَى ابْنِ جُمْلَةَ، وَالْمِيلَ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ إِلَيْهِ، فَمَا انْفَصَلَ الْمَجْلِسُ حَتَّى حَكَمَ الْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>