قَالَ فَدَعَتْنِي ثَقِيفٌ فَقَالُوا مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ؟ فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ نَحْنُ أَعْلَمُ بِصَاحِبِنَا، لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ مَا يَقُولُ حَقًّا لَاتَّبَعْنَاهُ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ [١] أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشد عليك من يوم أحد؟ قال: «ما لقيت من قومك كان أشد منه يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ لَكَ مَلَكَ الْجِبَالِ، لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. ثُمَّ نَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا محمد قد بعثني الله إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ قَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ لتأمرنى ما شئت إن شئت تطبق عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يعبد الله لا يشرك به شيئا» .
فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ سَمَاعَ الْجِنِّ لِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ مَرْجِعَهُ مِنَ الطَّائِفِ حِينَ بَاتَ بِنَخْلَةَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ فَاسْتَمَعَ الْجِنُّ الَّذِينَ صُرِفُوا إِلَيْهِ قِرَاءَتَهُ هُنَالِكَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وكانوا سبعة نفر، وأنزل اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ قَوْلَهُ وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً من الْجِنِّ ٤٦: ٢٩.
قُلْتُ: وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي التفسير، وتقدم قطعة من ذلك والله أَعْلَمُ. ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ مَرْجِعَهُ مِنَ الطَّائِفِ فِي جِوَارِ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَازْدَادَ قَوْمُهُ عَلَيْهِ حَنَقًا وَغَيْظًا وَجُرْأَةً وَتَكْذِيبًا وَعِنَادًا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أُرَيْقِطٍ إِلَى الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُجِيرَهُ بِمَكَّةَ. فَقَالَ: إِنَّ حَلِيفَ قُرَيْشٍ لَا يُجِيرُ عَلَى صَمِيمِهَا. ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو لِيُجِيرَهُ فَقَالَ: إِنَّ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ لَا تُجِيرُ عَلَى بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. فَبَعَثَهُ إِلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ لِيُجِيرَهُ فَقَالَ نَعَمْ! قُلْ لَهُ فَلْيَأْتِ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاتَ عِنْدَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَ مَعَهُ هُوَ وَبَنُوهُ سِتَّةٌ- أَوْ سَبْعَةٌ- مُتَقَلِّدِي السُّيُوفَ جَمِيعًا فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طُفْ وَاحْتَبَوْا بِحَمَائِلِ سُيُوفِهِمْ فِي الْمَطَافِ، فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ إلى مطعم. فقال: أمجير أو تَابِعٌ؟ قَالَ لَا بَلْ مُجِيرٌ. قَالَ إِذًا لَا تُخْفَرُ. فَجَلَسَ مَعَهُ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَافَهُ، فَلَمَّا انصرف انصرفوا معه. وذهب أبو
[١] وفي السهيليّ: عبد الله بن يوسف وهو خطأ. وانما هو عبد الله بن وهب الفهميّ القرشي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute