للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل قدوم وفد الأنصار عام بَعْدَ عَامٍ حَتَّى بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةً بَعْدَ بَيْعَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ

حَدِيثُ سُوِيدِ بْنِ صَامِتٍ الأنصاري

وهو سويد بن الصامت [١] بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ حَوْطِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، وَأُمُّهُ لَيْلَى بِنْتُ عَمْرٍو النَّجَّارِيَّةُ أُخْتُ سَلْمَى بِنْتِ عَمْرٍو أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ. فَسُوَيْدٌ هَذَا ابْنُ خَالَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ كُلَّمَا اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ وَلَا يَسْمَعُ بِقَادِمٍ يَقْدَمُ مَكَّةَ مِنَ الْعَرَبِ لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ إِلَّا تَصَدَّى لَهُ وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ. قَالُوا: قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَكَّةَ حَاجًّا- أَوْ مُعْتَمِرًا- وَكَانَ سُوَيْدٌ إِنَّمَا يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمُ الْكَامِلَ لِجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ:

أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى ... مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي

مَقَالَتُهُ كَالشَّهْدِ مَا كَانَ شَاهِدًا ... وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثُغْرَةِ النحر

يسرك باديه وتحت أديمه ... تميمة غِشٍّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظَّهْرِ

تُبَيِّنُ لَكَ الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ ... مِنَ الْغِلِّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ

فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتَنِي ... وَخَيْرُ الْمَوَالِي مَنْ يَرِيشُ وَلَا يَبْرِي

قَالَ فَتَصَدَّى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ فَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ وَالْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟ قَالَ مَجَلَّةُ لُقْمَانَ- يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْرِضْهَا عَلَيَّ، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ «إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيَّ هُوَ هُدًى وَنُورٌ» فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ. فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ حَسَنٌ. ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قتله الْخَزْرَجُ. فَإِنْ كَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ لَيَقُولُونَ إِنَّا لَنَرَاهُ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَكَانَ قَتْلُهُ قبل


[١] كذا في الأصل، وفي السهيليّ: سويد بن الصلت بن حوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>