للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما معه، فأخرج من تحت الطيار جونة خيازر نظيفة فيها جدي بارد، وسكباج مبردة، وبزماورد، وإدام، وقطعة مالح منقور طيبة، وأرغفة سميذ جيدة، وكل ذلك نظيف، وإذا هي جونة تعمل له في منزله كل يوم، وتحمل إليه فيأكلها في موضعه من الطيار ويلازم الخدمة، فلما حملت إلى المقتدر استنظفها فأكل منها واستطاب المالح والإدام فكان أكثر أكله منه. ولحقته الأطعمة من مطبخه فقال: ما آكل اليوم إلا من طعام جعفر الملاح، فأتم أكله منه وأمر بتفرقة طعامه على من حضر، ثم قال: قولوا له هات الحلواء، قال فقال: نحن لا نعرف الحلواء. فقال المقتدر: ما ظننت أن في الدنيا من يأكل طعاما لا حلواء بعده. قال فقال الملاح: حلواؤنا التمر والكسب فإن نشط أحضرته فقال: لا هذا حلواء صعب لا أطيقه فأحضروا من حلوائنا فأحضرت عدة جامات، فأكل ثم قال لصاحب المائدة: اعمل في كل يوم جونة ينفق عليها ما بين عشرة دنانير إلى مائتي درهم وسلمها إلى جعفر الملاح تكون برسم الطيار أبدا، فإن ركبت يوما على غفلة كما ركبت اليوم كانت معدة، وإن جاءت المغرب ولم أركب كانت لجعفر، قال فعملت إلى أن قتل المقتدر، وكان جعفر يأخذها وربما حاسب عليها لأيام وأخذها دراهم، وما ركب المقتدر بعدها على غفلة ولا احتاج إليها.

أخبرنا علي بن المحسن القاضي حدّثني أبي حدّثنا أبو علي الحسين بن محمّد الأنباري الكاتب قال: سمعت دلوية الكاتب يحكي عن صافي الحرمي الخادم مولى المعتضد أنه قال: مشيت يوما بين يدي المعتضد وهو يريد دور الحرم، فلما بلغ إلى باب شغب أم المقتدر وقف يسمع ويطلع من خلل في الستر، فإذا هو بالمقتدر وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها، وهو جالس وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن، وبين يديه طبق فضة فيه عنقود عنب في وقت فيه العنب عزيز جدا، والصبي يأكل عنبة واحدة، ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور، حتى إذا بلغ الدور إليه أكل واحدة مثل ما أكلوا حتى أفنى العنقود، والمعتضد يتميز غيظا، قال: فرجع ولم يدخل الدار، ورأيته مهموما فقلت: يا مولاي ما سبب ما فعلته، وما قد بان عليك؟

فقال: يا صافي والله لولا النار والعار لقتلت هذا الصبي اليوم، فإن في قتله صلاحا للأمة، فقلت: يا مولاي حاشاه أى شيء عمل، أعيذك بالله، يامولاي العن إبليس.

فقال: ويحك أنا أبصر بما أقوله، أنا رجل قد سست الأمور، وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد ولا بد من موتى، وأعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي، وسيجلسون ابني عليا- يعني المكتفي- وما أظن عمره يطول للعلة التي به. فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>