للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن عليّ أهنيه- وكان ينزل قطيعة الرّبيع- قال فجئته وقرعت عليه الباب فأذن لي، فدخلت عليه وإذا بين يديه طبق فيه أوراق هندبا، وعصارة فيها نخلة وهو يأكل، فهنيته وتعجبت من حاله، ورأيت أن جميع ما نحن فيه من الدّنيا ليس بشيء، فخرجت من عنده ودخلت على رجل من مجندي القطيعة يعرف بالجرجانيّ فلما علم بمجيئي إليه خرج إليّ حاسر الرأس، حافي القدمين وقال لي: ما عني القاضي أيده الله؟ فقلت مهم. قال وما هو؟ قلت في جوارك داود بن عليّ ومكانه من العلم، وأنت فكثير البر والرغبة في الخير تغفل عنه؟ وحدّثته بما رأيت. فقال لي: داود شرس الخلق أعلم القاضي أني وجهت إليه البارحة ألف درهم مع غلامي ليستعين بها في بعض أموره فردها مع الغلام وقال للغلام، قل له: بأى عين رأيتني؟ وما الذي بلغك من حاجتي وخلتي، حتى وجهت إلي بهذا؟ قال فتعجبت من ذلك فقلت له هات الدراهم فإني أحملها إليه أنا، فدعا بها ودفعها إلي ثم قال يا غلام ناولني الكيس الآخر، فجاءه بكيس فوزن ألفا أخرى فقال: تيك لنا وهذه لموضع القاضي وعنايته، قال: فأخذت الألفين وجئت إليهفقرعت بابه وكلمني من وراء الباب وقال ما ردة القاضي؟ قلت حاجة أكلمك فيها، فدخلت وجلست ساعة، ثم أخرجت الدراهم وجعلتها بين يديه، فقال: هذا جزاء من ائتمنك على سره إنما بأمانة العلم أدخلتك إلي، ارجع فلا حاجة لي فيما معك.

قال المحامليّ: فرجعت وقد صغرت الدّنيا في عيني، ودخلت على الجرجانيّ فأخبرته بما كان. فقال: أما أنا فقد أخرجت هذه الدراهم لله تعالى لا ترجع في مالي هذا، فليتول القاضي إخراجها في أهل الستر والعفاف، من المتجملين بالستر والصيانة على ما يراه، فقد أخرجتها عن قلبي.

حدّثنا أبو طالب يحيى بن عليّ الدسكري- بحلوان- أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال سمعت عليّ بن حمزة قال سمعت أبا بكر بن داود يقول سمعت أبي يقول: خير الكلام ما دخل الاذن بغير إذن.

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني أخبرنا المعافى بن زكريّا حدّثنا إبراهيم ابن محمّد بن عرفة الأزدي قال استنشدني أبو سليمان داود بن عليّ بعقب قصيدة أنشدته مدحته فيها وسألته الجلوس فأجابني. وقال لي- في شيء منها- لو بدلت مكانه. فقلت له هذا كلام العرب فقال: أحسن الشعر ما دخل القلب بلا إذن- هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>