للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، حتى يرسلوا في ذلك الجبّ قنديلا فيه مصباح أو شيئا يقوم مقام القنديل، فإن مات لم يتعرّضوا له، وحرّكوا في جوفه أكسية [١] وغيرها من أجزاء الهواء.

قال: وممّا يشبّه النار فيه بالإنسان، أنك ترى للمصباح قبل انطفائه ونفاد دهنه، اضطراما وضياء ساطعا، وشعاعا طائرا، وحركة سريعة وتنقضا [٢] شديدا، وصوتا متداركا. فعندها يخمد المصباح.

وكذلك الإنسان، له قبل حال الموت، ودوين انقضاء مدّته بأقرب الحالات، حال مطمعة تزيد في القوة على حاله قبل ذلك أضعافا، وهي التي يسمونها «راحة الموت» ، وليس له بعد تلك الحال لبث.

١٣١٧-[قول رئيس المتكلّمين في النفس]

وكان رئيس من المتكلمين، وأحد الجلّة المتقدمين، يقول في النفس قولا بليغا عجيبا، لولا شنعته لأظهرت اسمه، وكان يقول: الهواء اسم لكل فتق، وكذلك الحيّز [٣] . والفتق لا يكون إلا بين الأجرام الغلاظ، وإلا فإنما هو الذي يسميه أصحاب الفلك «اللّجّ» . وإذا هم سألوهم عن خضرة الماء قالوا: هذا لجّ الهواء، وقالوا: لولا أنك في ذلك المكان لرأيت في اللّجّ الذي فوق ذلك مثل هذه الخضرة. وليس شيء إلا وهو أرق من كتيفه أو من الأجرام الحاصرة له. وهو اسم لكل متحرّك ومتقلّب لكل شيء فيه من الأجرام المركبة. ولا يستقيم أن يكون من جنس النسيم، حتى يكون محصورا، إما بحصر كتيفي كالسفينة لما فيها من الهواء الذي به حملت مثل وزن جرمها الأضعاف الكثيرة، وإما أن يكون محصورا في شيء كهيئة البيضة المشتملة على ما فيها، كالذي يقولون في الفلك الذي هو عندنا: سماء.

قال: وللنسيم الذي هو فيه معنى آخر، وهو الذي يجعله بعض الناس ترويحا عن النفس، يعطيها البرد والرّقّة والطّيب، ويدفع النّفس، ويخرج إليه البخار والغلظ، والحرارات الفاضلة [٤] ، وكلّ ما لا تقوى النّفس على نفيه واطّراده.


[١] أكسية: جمع كساء.
[٢] التنقض: صوت الفتيلة إذا قاربت الانطفاء.
[٣] الحيز: عند المتكلمين هو الفراغ المتوهّم الذي يشغله شيء ممتد كالجسم،؛ أو غير ممتد كالجوهر الفرد، انظر التعريفات للجرجاني ٩٩.
[٤] الفاضلة: الزائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>