للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وليس الأمر كذلك. بل أزعم أنّ النفس من جنس النسيم وهذه النفس القائمة في الهواء المحصور، عرض لهذه النفس المتفرّقة في أجرام جميع الحيوان، وهذه الأجزاء التي في هذه الأبدان، هي من النسيم في موضع الشعاع والأكثاف، والفروع التي تكون من الأصول.

قال: وضياء النفس كضياء دخل من كوّة [١] فلما سدّت الكوّة انقطع بالطّفرة إلى عنصره من قرص الشمس وشعاعها المشرق فيها، ولم يقم في البيت مع خلاف شكله من الجروم [٢] . ومتى عمّ السّدّ لم تقم النفس في الجرم فوق لا.

وحكم النفس عند السّدّ- إذ كنا لا نجدها بعد ذلك- كحكم الضياء بعد السدّ، إذ كنا لا نجده بعد ذلك.

فالنفس من جنس النسيم، وبفساده تفسد الأبدان، وبصلاحه تصلح. وكان يعتمد على أن الهواء نفسه هو النفس والنسيم، وأن الحرّ واللدونة وغير ذلك من الخلاف، إنما هو من الفساد العارض.

قيل له: فقد يفسد الماء فتفسد الأجرام من الحيوان بفساده، ويصلح فتصلح بصلاحه، وتمنع الماء وهي تنازع إليه فلا تحلّ [٣] بعد المنازعة إذا تمّ المنع، وتوصل بجرم الماء فتقيم في مكانها. فلعل النفس عند بطلانها في جسمها قد انقطعت إلى عنصر الماء بالطّفرة.

وبعد فما علّمك؟ لعلّ الخنق هيّج على النفس أضدادا لها كثيرة، غمرتها حتى غرقت فيها، وصارت مغمورة بها.

وكان هذا الرئيس يقول: لولا أن تحت كلّ شعرة وزغبة مجرى نفس لكان المخنوق يموت مع أوّل حالات الخنق، ولكن النفس قد كان لها اتصال بالنسيم من تلك المجاري على قدر [من] [٤] الأقدار، فكان نوطها [٥] جوف الإنسان. فالرّيح والبخار لمّا طلب المنفذ فلم يجده، دار وكثف وقوي؛ فامتدّ له الجلد فسدّ له


[١] الكوة: خرق في الحائط.
[٢] الجروم: جمع جرم، وهو الجسد والجسم.
[٣] تحل: تقيم.
[٤] زيادة يقتضيها المعنى.
[٥] نوطها: متعلقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>