للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان يجد من ريحه بعد شيئا زاد عليه من التراب، لأنّ الفأرة لطيفة الحسّ، جيّدة الشّمّ، فإذا وجدت تلك الرائحة عرفتها فأمعنت في الهرب، فلذلك يصنع السنّور ما يصنع.

١٣٩٥-[فأرة العرم]

[١] ولا يشكّ الناس [في] [٢] أن أرض سبإ وجنّتيها إنما خربتا حين دخلهما سيل العرم- والعرم: المسنّاة- وأن الذي فجّر المسنّاة، وسبّب لدخول الماء الفأرة.

والسّيل إذا دخل أخرب بقدر قوّته. وقوّته من ثلاثة أوجه: إمّا أن تدفعه ريح في مكان يفحش فيه الريح، وإما أن يكون وراءه وفوقه ماء كثير، وإما أن يصيب حدورا عميقا.

١٣٩٦-[حديث ثمامة عن الفأر]

وأما حديث ثمامة فإنه قال: لم أر قطّ أعجب من قتال الفأر، كنت في الحبس وحدي، وكان في البيت الذي أنا فيه جحر فأر، يقابله جحر آخر، فكان الجرذ يخرج من أحد الجحرين فيرقص ويتوعّد، ويضرب بذنبه، ثم يرفع صدره ويهزّ رأسه. فلا يزال كذلك حتى يخرج الجرذ الذي يقابله، فيصنع كصنيعه. فبينما هما إذ عدا أحدهما فدخل جحره، ثم صنع الآخر مثل ذلك. فلم يزل ذلك دأبهما في الوعيد وفي الفرار، وفي التحاجز وفي ترك التّلاقي. إلا أني في كل مرة أظنّ للذي يظهر لي من جدهما واجتهادهما، وشدة توعّدهما، أنهما سيلتقيان بشيء أهونه العضّ والخمش، ولا والله إن التقيا قطّ؟ فعجبت من وعيد دائم لا إيقاع معه، ومن فرار دائم لا ثبات معه، ومن هرب لا يمنع من العودة، ومن إقدام لا يوجب الالتقاء. وكيف يتوعّد صاحبه ويتوعده الآخر؟ وبأيّ شيء يتوعده، وهما يعلمان أنهما لا يلتقيان أبدا؟ فإن كان قتالهما ليس هو إلا الصّخب والتّنييب [٣] فلم يفرّ كلّ واحد منهما حتى يدخل جحره؟ وإن كان غير ذلك فأيّ شيء يمنعهما من الصّدمة؟ وهذا أعجب.


[١] ثمار القلوب (٦٠٩) .
[٢] إضافة من ثمار القلوب، حيث نقل الخبر عن الجاحظ.
[٣] التنييب: إنشاب الأنياب.

<<  <  ج: ص:  >  >>