للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذكر إلى الصامت. ولهذا الفرق أعطوه هذه المشاكلة، وهذا الاشتقاق. فإذا تهيأ من لسان بعضها من الحروف مقدار يفضل به على مقادير الأصناف الباقية، كان أولى بهذا الاسم عندهم. فلما تهيأ للقطاة ثلاثة أحرف قاف. وطاء، وألف، وكان ذلك هو صوتها، سمّوها بصوتها. ثم زعموا أنها صادقة في تسميتها نفسها قطا. قال الكميت [١] : [من مجزوء الكامل]

كالناطقات الصادقا ... ت الواسقات من الذّخائر [٢]

وقال الآخر وذكر القطاة [٣] : [من الطويل]

وصادقة قد خبّرت، ما بعثتها ... طروقا، وباقي الليل في الأرض مسدف [٤]

فجعلها مخبرة، وجعل خبرها صدقا، حين زعمت أنها قطا؛ وإنّ كانت القطاة لم ترم [٥] ذلك.

والعرب تتوسع في كلامها. وبأي شيء تفاهم الناس فهو بيان، إلا أن بعضه أحسن من بعض.

والذي تهيأ للشاة قولها: ما، ولذلك قال ذو الرّمة [٦] : [من البسيط]

لا يرفع الصّوت إلا ما تخوّنه ... داع يناديه باسم الماء مبغوم [٧]

وقال أبو عبّاد النميريّ لخربق العميريّ، وكان يتعشّقه ورآه قد اشترى أضحية، فقال: [من المجتث]

يا ذابح الماه ماه ... فعلت فعل الجفاه

أما رحمت من المو ... ت يا خريبق شاه

والصبيان هم الذين يسمون الشاة: ماه، كأنهم سموها بالذي سمعوه منها، حين جهلوا اسمها.


[١] ديوان الكميت ١/٢٣٦، وأساس البلاغة (أبي) ، والعمدة ٢/٢٧.
[٢] الواسقات: الجامعات.
[٣] البيت للفرزدق في اللسان والتاج (عشش) ، وليس في ديوانه.
[٤] طروقا: ليلا. مسدف: مظلم.
[٥] رام الشيء: أراده.
[٦] ديوان ذي الرمة ٣٩٠، والخزانة ٤/٣٤٤، والخصائص ٣/٢٩.
[٧] الماء: حكاية صوت الشاة. بغمت الظبية: صاحت إلى ولدها بأرخم ما يكون من صوتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>