للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم زرادشت أن السّنّور لو بال في البحر، لقتل عشرة آلاف سمكة.

فإن كان إنما استبصر في ذمّه في قتل السمك فالسمك أحقّ بأن يكون من خلق الشيطان؛ لأن السمك يأكل بعضه بعضا، والذكر يتبع الأنثى في زمان طرح البيض، فكلما قذفت به التهمه. وإن غرق إنسان في الماء، بحرا كان أو واديا، أو بعض ذوات الأربع- فالسمك أسرع إلى أكله من الضّباع والسنور إلى الجيف.

وعلى أنّ اعتلاله على السنور، وقوله: لو بال في البحر قتل عشرة آلاف سمكة.

فما يقول فيمن زعم أن الجرذ لو بال في البحر قتل مائة ألف سمكة؟ وبأي شيء يبين منه؟ وهل ينبغي لمن كسر هذا القول الظاهر الكسر، المكشوف الموق [١] أن يفرح؟! وهل تقرّ الجماعة والأمم بأنّ في الفأر شيئا من المرافق؟! وهل يمازج مضرّتها شيء من الخير وإن قلّ؟! أو ليست الفأر والجرذان هي التي تأكل كتب الله تعالى، وكتب العلم، وكتب الحساب؛ وتقرض الثّياب الثمينة، وتطلب سرّ نوى [٢] القطن، وتفسد بذلك اللّحف والدّواويج [٣] والجباب، والأقبية والخفاتين [٤] ، وتحسو الأدهان، فإن عجزت أفواهها أخرجتها بأذنابها؟! أو ليست التي تنقب السّلال وتقرض الأوكية [٥] وتأكل الجرب حتى يعلّق المتاع في الهواء إذا أمكن تعليقه؟!.

وتجلب إلى البيوت الحيّات؛ للعداوة التي بينها وبين الحيّات، ولحرص الحيّات على أكلها، فتكون سببا في اجتماعها في منازلهم، وإذا كثرن قتلن النفوس.

وقال ابن أبي العجوز: لولا مكان الفأر لما أقامت الحيّات في بيوت الناس، إلا ما لا بال به من الإقامة.

وتقتل الفسيل [٦] والنخل، وتهلك العلف والزرع، وربما أهلكن القراح [٧] كله، وحملن شعير الكدس وبرّه.


[١] الموق: الحمق.
[٢] سر النوى: لبه.
[٣] الدواويج: جمع دوّاج، وهو ضرب من الثياب.
[٤] الخفاتين: جمع خفتان، وهو ثوب يلبس تحت السلاح، أي الدرع ونحوه. انظر معجم استينجاس ٤٦٨.
[٥] الأوكية: جمع وكاء، وهو رباط القربة.
[٦] الفسيل: صغار النخل.
[٧] القراح: الأرض المخلصة لزرع أو لغرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>