للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٦٧-[شدة نتن التّيوس]

فالتّيس كالكلب؛ لأنه يقزح [١] ببوله، فيريد به حاقّ [٢] خيشومه. وبول التّيس من أخثر البول وأنتنه، وريح أبدان التّيوس إليها ينتهي المثل. ولو كان هذا العرض في الكبش لكان أعذر له؛ لأن الخموم واللخن، والعفن والنّتن، لو عرض لجلد ذي الصّوف المتراكم، الصّفيق الدقيق، والملتفّ المستكثف؛ لأن الرّيح لا تتخلّله، والنسيم لا يتخرّقه- لكان ذلك أشبه.

فقد علمنا الآن أن للتيس مع تخلخل شعره، وبروز جلده [٣] وجفوف عرقه، وتقطع بخار بدنه- فضلا ليس لشيء سواه. والكلب يوصف بالنّتن إذا بلّه المطر.

والحيّات توصف بالنّتن. ولعل ذلك أن يجده من وضع أنفه على جلودها.

وبول التّيس يخالط خيشومه. وليس لشيء من الحيوان ما يشبه هذا، إلا ما ذكرنا من الكلب، على أن صاحب الكلب قد أنكر هذا.

وجلود التّيوس، وجلود آباط الزّنج، منتنة العرق، وسائر ذلك سليم. والتيس إبط كله [٤] ، ونتنه في الشتاء كنتنه في الصيف. وإنا لندخل السكّة وفي أقصاها تيّاس [٥] ، فنجد نتنها من أدناها، حتى لا يكاد أحدنا يقطع تلك السكة إلا وهو مخمّر الأنف. إلا ما كان مما طبع الله عزّ وجلّ عليه البلويّ وعليّا الأسواري؛ فإن بعضهما صادق بعضا على استطابة ريح التيوس. وكان ربما جلسا على باب التّيّاس؛ ليستنشقا تلك الرائحة، فإذا مرّ بهما من يعرفهما وأنكر مكانهما، ادّعيا أنهما ينتظران بعض من يخرج إليهما من بعض تلك الدّور.

١٥٦٨-[المكّيّ وجاريته سندرة]

فأما المكي فإنه تعشّق جارية يقال لها سندرة، ثم تزوجها نهاريّة [٦] وقد


[١] قزح ببوله: أرسله دفعا.
[٢] الحاق: وسط الشيء.
[٣] بروز جلده: أي ظهوره لخفة الشعر الذي عليه.
[٤] أي أنه منتن البدن كله.
[٥] التياس: صاحب التيوس.
[٦] الزواج النهاري: يفهم منه أن كلّا من الزوجين لا يلقى صاحبه إلا في النهار، وأورد الجاحظ في البخلاء ١٢٤: «قالت له امرأة: ويحك يا أبا القماقم إني قد تزوجت زوجا نهاريا، والساعة وقته، وليست عليّ هيئة، فاشتر لي بهذا الرغيف آسا، وبهذا الفلس دهنا، فإنك تؤجر. فعسى الله أنه يلقي محبتي في قلبه. فيرزقني على يدك شيئا أعيش به، فقد والله ساءت حالي، وبلغ المجهود مني» .

<<  <  ج: ص:  >  >>