للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا غبت لم تذكر صديقا وإن تقم ... فأنت على ما في يديك ضنين

فأنت ككلب السّوء في جوع أهله ... فيهزل أهل الكلب وهو سمين

وفي المثل: «سمن كلب في جوع أهله» ، وذلك أنه عند السّواف «١» يصيب المال، والإخداج «٢» يعرض للنّوق، يأكل الجيف فيسمن. وعلى أنه حارس محترس منه، ومؤنس شديد الإيحاش من نفسه، وأليف كثير الخيانة على إلفه. وإنما اقتنوه على أن ينذرهم بموضع السارق، وتركوا طرده لينبههم على مكان المبيّت. وهو أسرق من كل سارق، وأدوم جناية من ذلك المبيّت. ويدلّ على أنّه سروق عندهم، قول الشاعر: [من الطويل]

أفي أن سرى كلب فبيّت جلّة ... وجبجبة للوطب ليلى تطلق «٣»

فهو سرّاق، وصاحب بيات، وهو نبّاش، وآكل لحوم النّاس. ألا إنّه يجمع سرقة الليل مع سرقة النّهار، ثم لا تجده أبدا يمشي في خزانة، أو مطبخ، أو عرصة دار، أو في طريق، أو في براريّ، أو في ظهر جبل، أو في بطن واد، إلّا وخطمه في الأرض يتشمّم ويستروح، وإن كانت الأرض بيضاء حصّاء ودوّيّة ملساء، أو صخرة خلقاء؛ حرصا وجشعا، وشرها وطمعا «٤» . نعم حتّى لا تجده أيضا يرى كلبا إلّا اشتمّ استه، ولا يتشمّم غيرها منه، ولا تراه يرمى بحجر أيضا أبدا إلّا رجع إليه فعضّ عليه؛ لأنّه لمّا كان لا يكاد يأكل إلّا شيئا رموا به إليه صار ينسى لفرط شرهه وغلبة الجشع على طبعه، أنّ الرامي إنّما أراد عقره أو قتله، فيظنّ لذلك أنّه إنّما أراد إطعامه والإحسان إليه. كذلك يخيّل إليه فرط النّهم وتوهمه غلبة الشّره، ولكنّه رمى بنفسه على الناس عجزا ولؤما، وفسولة ونقصا «٥» ، وخاف السباع واستوحش من الصّحارى.

ولمّا سمعوا بعض المفسّرين يقول في قوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>