للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٦٨٧-[معرفة العرب للآثار والأنواء والنجوم]

ومن هذه الجهة عرفوا الآثار في الأرض والرّمل، وعرفوا الأنواء ونجوم الاهتداء، لأنّ كلّ من كان بالصّحاصح الأماليس [١]- حيث لا أمارة ولا هادي، مع حاجته إلى بعد الشّقّة- مضطرّ إلى التماس ما ينجيه ويؤديه [٢] .

ولحاجته إلى الغيث، وفراره من الجدب، وضنّه بالحياة، اضطرته الحاجة إلى تعرّف شأن الغيث.

ولأنه في كلّ حال يرى السّماء، وما يجري فيها من كوكب، ويرى التّعاقب بينها، والنّجوم الثوابت فيها، وما يسير منها مجتمعا وما يسير منها فاردا [٣] ، وما يكون منها راجعا ومستقيما.

وسئلت أعرابيّة فقيل لها: أتعرفين النجوم؟ قالت: سبحان الله! أما أعرف أشباحا وقوفا عليّ كلّ ليلة! وقال اليقطريّ: وصف أعرابيّ لبعض أهل الحاضرة نجوم الأنواء، ونجوم الاهتداء، ونجوم ساعات اللّيل والسّعود والنّحوس، فقال قائل لشيخ عباديّ كان حاضرا: أما ترى هذا الأعرابيّ يعرف من النّجوم ما لا نعرف! قال: ويل أمّك، من لا يعرف أجذاع [٤] بيته؟

قال: وقلت لشيخ من الأعراب قد خرف، وكان من دهاتهم: إني لا أراك عارفا بالنّجوم! قال: أما إنّها لو كانت أكثر لكنت بشأنها أبصر، ولو كانت أقلّ لكنت لها أذكر.

وأكثر سبب ذلك كلّه- بعد فرط الحاجة، وطول المدارسة- دقّة الأذهان، وجودة الحفظ. ولذلك قال مجنون من الأعراب- لمّا قال له أبو الأصبغ بن ربعيّ: أما تعرف النجوم؟ قال: وما لي أعرف من لا يعرفني؟! فلو كان لهذا الأعرابيّ المجنون مثل عقول أصحابه، لعرف مثل ما عرفوا.


[١] الصحاصح: جمع صحصح، وهي الأرض المستوية الواسعة. الأماليس: جمع إمليس، وهي الأرض الملساء لا شجر بها ولا ماء.
[٢] آداه: قوّاه، أو أوصله.
[٣] فاردا: منفردا.
[٤] الجذع: ساق النخلة، والمراد بها هنا ما جعل منها سقفا للبيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>