للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم أصحابنا أنّ أبا المنجوف السّدوسيّ روى عن أبي الوجيه العكليّ قوله [١] : [من الطويل]

وأفطن من ضبّ إذا خاف حارشا ... أعدّ له عند التلمّس عقربا

[جملة القول في نصيب الضباب من الأعاجيب والغرائب]

أوّل ذلك طول الذّماء، وهو بقيّة النّفس وشدّة انعقاد الحياة والرّوح بعد الذبح وهشم الرّأس، والطّعن الجائف النافذ، حتّى يكون في ذلك أعجب من الخنزير، ومن الكلب، ومن الخنفساء، وهذه الأشياء التي قد تفرّدت بطول الذّماء.

ثمّ شارك الضّبّ الوزغة والحيّة، فإن الحية تقطع من ثلث جسمها، فتعيش إن سلمت من الذّرّ. فجمع الضّبّ الخصلتين جميعا. إلا ما رأيت في دخّال الأذن من هذه الخصلة الواحدة، فإنّي كنت أقطعه بنصفين، فيمضي أحد نصفيه يمنة والآخر يسرة. إلا أنّي لا أعرف مقدار بقائهما بعد أن فاتا بصري.

ومن أعاجيبه طول العمر. وذلك مشهور في الأشعار والأخبار، ومضروب به المثل. فشارك الحيّات في هذه الفضيلة، وشارك الأفعى الرّمليّة والصّخرية في أنّها لا تموت حتف أنفها، وليس إلا أن تقتل أو تصطاد، فتبقى في جون الحوّائين، تذيلها [٢] الأيدي، وتكره على الطّعم في غير أرضها وهوائها، حتى تموت، أو تحتملها السّيول في الشّتاء وزمان الزّمهرير، فما أسرع موتها حينئذ، لأنّها صردة. وتقول العرب: «أصرد من حيّة» ؛ كما تقول: «أعرى من حية» [٣] . وقال القشيريّ: «والله لهي أصرد من عنز جرباء» [٤] .


[١] البيت بلا نسبة في التاج (خدع) ، والكامل ١/١٥٨ (المعارف) ، ومجمع الأمثال ١/٢٦٠.
[٢] تذيلها: تهينها.
[٣] مجمع الأمثال ٢/٥٤، وجمهرة الأمثال ٢/٣٤، والمستقصى ١/٢٤١، والدرة الفاخرة ١/٢٩٨.
[٤] مجمع الأمثال ١/٢١٣، وجمهرة الأمثال ١/٥٨٥، والمستقصى ١/٢٠٧، والدرة الفاخرة ١/٢٦٧، وأمثال ابن سلام ٣٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>