للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عضرفوط حطّ بي فأقمته ... يبادر وردا من عظاء قوارب [١]

وشرّ مطايا الجنّ أرنب خلّة ... وذئب الغضا أوق على كلّ صاحب [٢]

ولم أر فيها مثل قنفذ برقة ... يقود قطارا من عظام العناكب

وقد فسّرنا قولهم في الأرانب، لم لا تركب، وفي أرنب الخلّة، وقنفذ البرقة.

وحدثني أبو نواس قال: بكرت إلى المربد، ومعي ألواحي أطلب أعرابيّا فصيحا، فإذا في ظلّ دار جعفر أعرابيّ لم أسمع بشيطان أقبح منه وجها، ولا بإنسان أحسن منه عقلا. وذلك في يوم لم أر كبرده بردا، فقلت له: هلّا قعدت في الشمس! فقال: الخلوة أحبّ إليّ! فقلت له مازحا: أرأيت القنفذ إذا امتطاه الجنيّ وعلا به في الهواء، هل القنفذ يحمل الجنّيّ أم الجنّيّ يحمل القنفذ؟ قال: هذا من أكاذيب الأعراب، وقد قلت في ذلك شعرا. قلت فأنشدنيه. فأنشدني بعد أن كان قال لي:

قلت هذا الشعر وقد رأيت ليلة قنفذا ويربوعا يلتمسان بعض الرّزق: [من الطويل]

فما يعجب الجنّان منك عدمتهم ... وفي الأسد أفراس لهم ونجائب

أتسرج يربوع وتلجم قنفذا ... لقد أعوزتهم ما علمت المراكب

فإن كانت الجنّان جنّت فبالحرى ... ولا ذنب للأقدار والله غالب

وما الناس إلا خادع ومخدّع ... وصاحب إسهاب وآخر كاذب

قال: فقلت له: قد كان ينبغي أن يكون البيت الثالث والرابع بيت آخر. قال:

كانت والله أربعين بيتا، ولكنّ الحطمة [٣] والله حطمتها. قال: فقلت: فهل قلت في هذا الباب غير هذا؟ قال: نعم، شيء قلته لزوجتي، وهو والله عندها أصدق شيء قلته لها: [من الطويل]

أراه سميعا للسّرار كقنفذ ... لقد ضاع سرّ الله يا أمّ معبد [٤]

قال: فلم أصبر أن ضحكت. فغضب وذهب.


[١] العضرفوط: ضرب من العظاء، والعظاء جمع عظاية؛ وهي دويبة على خلق سام أبرص. الورد: ما ورد من جماعة الطير والإبل. القوارب: جمع قارب، وهو طالب الماء ليلا.
[٢] الخلة: ما فيه حلاوة من المرعى. الأوق: الثقل والشؤم.
[٣] الحطمة: السنة الجدب.
[٤] السرار: المسارة بالحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>